رفح تُذبح جوعًا: جريمة مُعلنة في رعاية أمريكية

21 سبتمبر / تقرير خاص
تُشكل مجزرة رفح التي ارتكبها العدو الإسرائيلي فجر الأحد 1 يونيو 2025، تجسيدًا صارخًا لاستراتيجية ممنهجة ترتكز على استخدام الحصار والمساعدات الإنسانية كأدوات حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. فبينما تدعي “إسرائيل” والولايات المتحدة تقديم الدعم الإنساني عبر آلية “الرتيف البحري” التي تسيطر عليها واشنطن عسكريًا، تكشف الحقائق الميدانية عن عكس ذلك تمامًا: إذ تتحول هذه المساعدات إلى فخاخ تُجبر المدنيين على التزاحم في نقاط توزيع مكشوفة يتعرضون فيها لقصف متعمد يُسقط عشرات الشهداء ويُصيب المئات.
إن هذه المجزرة ليست مجرد حادث فردي، بل امتداد لحصار شامل يهدف إلى تفتيت النسيج الاجتماعي الفلسطيني وإرهاق صموده، في ظل غياب إرادة دولية حقيقية لمحاسبة العدو الإسرائيلي، الأمر الذي يجعل من كل نقطة توزيع مساعدات ميدانًا جديدًا لمعاناة تتكرر بفعل سياسة متعمدة تحوّل الحياة إلى لعبة دم باردة.
من هذا المنطلق، يكشف هذا التقرير التحليلي الأبعاد السياسية والإنسانية لمجزرة رفح، ويوضح كيف تتحول المساعدات الإنسانية إلى أدوات إبادة ممنهجة بدعم أمريكي مباشر، في انتهاك فاضح للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان الأساسية.
مجزرة رفح.. استهداف مباشر لطوابير الجوعى
على الرغم من أن مراكز توزيع المساعدات يفترض أن تكون أماكن آمنة وملاذًا للمدنيين في أوقات الأزمات، فإن ما جرى في رفح يكشف عن نية واضحة في استهداف هؤلاء المدنيين بالذات. تعمد الاحتلال لقصف مركز توزيع المساعدات يظهر منهجية مدروسة لا تهدف فقط إلى تخويف السكان، بل إلى ضرب النسيج الاجتماعي والإنساني في غزة.
هذه الأفعال التي تستهدف المتجمعين من العائلات والأطفال والنساء الذين يعتمدون على هذه المساعدات، تشير إلى استخدام الحرب كوسيلة ترهيب تدميرية، تتجاوز الخطوط الحمراء لكل الأعراف الدولية.
كما أظهرت شهادات عيان أن الاحتلال يستخدم أسلحة متطورة ودقيقة لاستهداف نقاط تجمع المدنيين، ما يعزز فرضية القصف المتعمد، ويثبت أن المجزرة لم تكن نتيجة خطأ أو اصطدام عرضي بل حملة ممنهجة تهدف إلى إذلال وإرهاب السكان.
آلية المساعدات الأمريكية: تعميق للحصار لا كسره
لا يمكن فهم مجزرة رفح بمعزل عن استراتيجية الحصار الخانق الذي يفرضه الكيان الصهيوني على قطاع غزة منذ سنوات، بدعم وتغطية أمريكية مباشرة. تُفرض القيود الصارمة على دخول المواد الغذائية والطبية والوقود، ما يجعل القطاع في حالة أزمة دائمة.
تأتي آلية “الرتيف البحري” التي تسيطر عليها الولايات المتحدة كواجهة مزيفة للمساعدات، فهي لا تزيد عن كونها وسيلة لفرض رقابة صارمة على كل شحنة تدخل غزة، وتقييد وصولها بشكل متعمد. هذا الترتيب يتحول إلى أداة ضغط قاسية تُجبر المدنيين على التزاحم في نقاط توزيع محددة وبظروف مروعة، ما يسهل استهدافهم، ويكرس حالة الإذلال والمعاناة.
وبالتالي، فإن ما يُسمى بالمساعدات الإنسانية يتحول في الواقع إلى آلية قمعية تستهدف النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وتعزز من حالة التوتر والاحتقان، مما يمهد الطريق لانفجارات دموية متكررة كما حدث في مجزرة رفح.
الفوضى المقصودة: دور الاحتلال في عرقلة الإغاثة
تتجاوز سياسة الاحتلال مجرد الحصار إلى خلق حالة دائمة من الفوضى والارتباك داخل قطاع غزة، من خلال استهداف البنية التحتية وتدمير شبكات المياه والكهرباء، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية.
تقوم قوات الاحتلال بحملات قصف متكررة تستهدف الطرق والشوارع التي تستخدمها قوافل المساعدات، إضافة إلى منع إدخال مواد أساسية عبر المعابر، مما يعزز من معاناة السكان ويحول دون تأمين احتياجاتهم الأساسية.
إن هذا الدور الممنهج لجيش العدو الإسرائيلي لا يكتفي بخلق الأزمة، بل يضاعفها عبر استهداف مراكز التجمع المدني، ما يجعل حياة الفلسطينيين معرضة للخطر بشكل مستمر، ويؤكد أن الاحتلال يهدف إلى إخضاع الشعب الفلسطيني عبر سياسة إبادة بطيئة تقتل اليومي، لا فقط عبر المعارك المسلحة.
التواطؤ الدولي والدعم الأمريكي: غياب للمحاسبة
رغم توثيق المجازر وانتهاكات القانون الدولي الإنساني بحق المدنيين الفلسطينيين، لا تزال الردود الدولية مخيبة للآمال، تعكس موقفًا متواطئًا تجاه الاحتلال، ولا سيما من الجانب الأمريكي.
الولايات المتحدة التي تقدم الدعم العسكري والاستخباراتي لإسرائيل، تلعب دورًا رئيسيًا في حماية الاحتلال من المحاسبة على جرائمه، من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي وتقديم الدعم السياسي في المحافل الدولية.
هذا الغياب الواضح لإرادة دولية حقيقية لمحاسبة الاحتلال، يدفع باتجاه استمرار الانتهاكات والمجازر، ويبعث رسالة قاتلة مفادها أن حياة الفلسطينيين ليست محمية، وأن الاحتلال يتمتع بحصانة كاملة في ظل غياب العدالة.
مجزرة رفح تُجسد نموذجًا دامغًا لسياسة أمريكية صهيونية، تعتمد على الحصار والقتل المباشر والممنهج كوسائل لإرهاق وإذلال الشعب الفلسطيني، في ظل غياب محاسبة دولية حقيقية.
إن استغلال المساعدات الإنسانية وتحويلها إلى أدوات إبادة، لا يشكل فقط انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي، بل يسلط الضوء على أوجه التواطؤ الدولي، خاصة الأمريكي، في دعم هذه السياسة الوحشية.
ولكن ورغم كل أشكال القتل والحصار، يثبت الشعب الفلسطيني يومًا بعد يوم أن إرادته أقوى من كل محاولات القمع والإبادة. فهذه الضغوط لن تُثنيه عن التمسك بأرضه وحقوقه، ولن تُضعف عزيمته في مواجهة الغطرسة الصهيونية، بل تزيده صلابة وإصرارًا على الصمود والنضال حتى نيل حريته الكاملة واستعادة أرضه السليبة.