بيد من حديد وسقف سياسي مرتفع.. اليمن تصنع معادلة ردع لا تقبل التراجع أمام التهديد الأمريكي لإيران

21 سبتمبر / تقرير خاص
مع تصاعد نغمة التهديدات الأمريكية بشن عدوان عسكري على إيران، تتكشف أبعاد المؤامرة التي تستهدف محو الإرادة الوطنية والإسلامية في المنطقة. في مواجهة هذا العدوان المستقبلي، تأخذ اليمن موقعًا متقدمًا في معادلة المواجهة، مستندة إلى عقيدتها الجهادية وموقفها الإيماني الراسخ. بيان القوات المسلحة اليمنية وتأكيدات الرئيس مهدي المشاط يكشفان عن استراتيجية متكاملة ترفض الاستسلام للهيمنة الأمريكية، وتعلن استعداد اليمن لتوسيع المواجهة إلى البحر الأحمر، رافعةً شعار الدفاع عن الأمة، والكرامة، والحق الفلسطيني الذي لا يقبل المساومة.
إيران هدف العدوان… واليمن يقرأ الخريطة من قلبها
لم تعد نوايا العدو الأمريكي على إيران أمرًا يُقرأ من تقارير استخباراتية أو مؤشرات غامضة. ما يحدث الآن هو مسار تصعيد ميداني علني، مدفوعًا بفشل العدو الإسرائيلي في حسم معركة غزة، وبدء تحوّله إلى استراتيجية بديلة تهدف إلى تحطيم العمق الاستراتيجي للمقاومة الإسلامية. الولايات المتحدة، التي لا تخوض معاركها المباشرة إلا حين يعجز وكلاؤها، باتت تهيئ المسرح السياسي والعسكري لضربة موجهة نحو طهران، تحت ذرائع متعددة تبدأ من البرنامج النووي ولا تنتهي عند “زعزعة استقرار المنطقة”.
في هذا المشهد، تظهر صنعاء كلاعب متقدّم، يتعامل مع أمن إيران كامتداد مباشر لأمنها القومي، ويرى أن أي ضربة لإيران، تعني ضربة لمحور المقاومة بكامله، وتهدف في جوهرها إلى كسر كل ما تبقى من إرادة الأمة في التحرر. ولذلك، جاء الموقف اليمني لا ليواسي، بل ليهدد ويردع، معلنًا أن معادلة البحر الأحمر لن تبقى على حالها إذا فُتحت جبهة الخليج.
البيان العسكري… اليمن يرفع السقف ويفرض معادلة ردع جديدة
بيان القوات المسلحة اليمنية حمل ما هو أبعد من لغة التهديد التقليدي. كان بيانًا عملياتيًا بامتياز، يُعيد رسم خريطة الاشتباك في البحر الأحمر، ويضع البوارج والسفن الأمريكية تحت سيف الرد المحتمل. وهذا لا يعني فقط أن صنعاء في قلب التحرك الدفاعي عن طهران، بل إنها باتت تعتبر نفسها في قلب المعركة ذاتها.
ما يميز البيان أنه لم يفصل بين الجبهات، بل ربط بشكل مباشر بين العدوان على إيران، والجرائم في غزة، والاعتداءات على لبنان وسوريا، والحصار المستمر على اليمن، ليُظهر أن المشروع الصهيوني، المدعوم أمريكيًا، لا يتحرك بشكل منفصل في كل ساحة، بل كمنظومة عدوان شاملة، تسعى لتفكيك الأمة، وترسيخ “إسرائيل” كقائد شرعي مفترض للمنطقة، تحت حماية أمريكية.
وعليه، فإن استهداف القوات الأمريكية، في حال مهاجمة إيران، لم يعد مجرد خيار مستقبلي، بل جزء من عقيدة قتالية أعلنها اليمن بكل وضوح، وبلغة تُجبر صناع القرار في واشنطن على إعادة حساباتهم.
الرئيس المشاط يمنح الموقف العسكري إطارًا سياسيًا وقانونيًا
تصريحات الرئيس مهدي المشاط جاءت لتكمل البناء الذي أسسه البيان العسكري، وتمنحه بعدًا سياسيًا سياديًا يُخرجه من دائرة التحرك الفردي، إلى موقع القرار الرسمي للدولة اليمنية. بإعلانه توجيه مذكرة رسمية للأمم المتحدة، يكشف المشاط أن صنعاء لا تكتفي بالتحرك الميداني، بل تتحرك دبلوماسيًا لحشد الموقف الدولي، وتحميل العواصم المشاركة في أي عدوان محتمل على إيران، المسؤولية القانونية والأخلاقية.
الرئيس المشاط لم يتحدث بلغة المظلومية، بل بلغة المسؤولية والندية. إذ أشار صراحة إلى أن من حق اليمن الرد على أي عدوان يطول حلفاءه، وأن المشاركة في معركة الدفاع عن إيران ليست فقط موقفًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني وديني، تدعمه المواثيق الدولية والقانون اليمني ذاته.
تصريحاته جاءت بمثابة بيان دولة ذات سيادة، تعتبر نفسها طرفًا مباشرًا في صياغة معادلة المنطقة، لا مجرد تابع ينتظر اتضاح الصورة ليتفاعل معها لاحقًا.
معركة المصير… من غزّة إلى طهران، ومن صنعاء إلى القدس
ما يُستخلص من البيان العسكري والتصريحات السياسية، هو أن اليمن ينظر إلى معركة إيران على أنها امتداد طبيعي لمعركة غزّة، وأن الصراع مع المشروع الصهيوني لم يعد محدودًا بجغرافيا فلسطين، بل بات معركة وجود لهوية الأمة بأكملها.
في هذا الإطار، لم يتردد بيان القوات المسلحة في ربط العدوان على إيران بمشروع “تغيير وجه الشرق الأوسط”، معتبرًا أن الهدف من هذا العدوان هو إنهاء آخر ما تبقى من قلاع المقاومة، وكسر أي إرادة سياسية أو عسكرية ترفض الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية. ولذلك، فإن الرد اليمني المحتمل، لا يدافع عن طهران فقط، بل عن كرامة الأمة، وحريتها، واستقلال قرارها السياسي، ومصير مقدساتها.
المعركة، كما تقدمها صنعاء، ليست معركة سيادة وطنية فقط، بل معركة أمة تُراد لها الإذلال والاستعباد، فيما تقف بعض العواصم عاجزة أو متواطئة، أو رهينة حسابات بائسة تتجاهل أن النار التي ستحرق إيران اليوم، قد تحرقها غدًا، إذا بقيت خارج معادلة الدفاع.
باب المندب ومضيق هرمز… البحر في قبضة محور الجهاد والمقاومة
ربط اليمن استهدافه المحتمل للقطع البحرية الأمريكية، بالعدوان على إيران، يحمل في طياته بُعدًا استراتيجيًا بالغ الخطورة، وهو إدخال البحر الأحمر رسميًا في معادلة الردع الإقليمي. وكما أن إيران قد تغلق مضيق هرمز، فإن اليمن لن يسمح بمرور آمن في باب المندب.
وهذا التقاطع يفضح وهم التفوق الأمريكي في السيطرة البحرية، ويعيد التوازن لصالح محور المقاومة، الذي بات قادرًا على التحكم في أهم خطوط الملاحة العالمية، إذا ما تقرر أن ساعة المواجهة قد بدأت.
وبذلك، لا يعود أمن السفن الأمريكية مرهونًا بقدرتها على الردع، بل بموقفها من المعركة. فإن تورطت، فإن البحر لن يكون لها ممرًا، بل مقبرة.
اليمن… حين يصبح الخطاب سلاحًا، والموقف جبهة
في هذا السياق المتوتر والمتغير، لا يعود اليمن مجرّد طرف يتفاعل مع الأحداث، بل يتحوّل إلى لاعب إقليمي يُعيد ضبط معادلات القوة، ويفرض إرادته من موقع الشريك الكامل في معركة المصير. فحين يصدر بيان عسكري بهذا الوضوح، ويعقبه موقف سياسي سيادي من أعلى هرم القيادة، فإن الرسالة التي تُوجَّه للداخل والخارج على حدّ سواء، هي أن اليمن لم يعد قابلًا للاحتواء، ولا راغبًا في الحياد، ولا خائفًا من خوض المعركة إذا ما فُرضت عليه.
لقد تجاوزت صنعاء مرحلة الدفاع وردّ الفعل، إلى مرحلة المبادرة والهجوم الاستباقي، ضمن مشروع إيماني مقاوم يرى أن مصير غزّة هو ذاته مصير طهران، وأن معركة القدس تبدأ من البحر الأحمر، وأن من يراهن على تراجع اليمن أو عزله عن جبهات الصراع، لم يفهم حتى الآن حقيقة ما أفرزته ثورة 21 سبتمبر، ولا طبيعة العقيدة التي تحكم قرار صنعاء.
في زمن الارتباك العربي، والتواطؤ الرسمي، والهروب من مواجهة العدو، اختارت صنعاء أن تقف في الجبهة الأمامية للكرامة، مدفوعة بالإيمان، مدعومة بالشعب، محمية بالحق، حاملة لواء فلسطين، ومدافعة عن كل من يتعرض للغطرسة الأمريكية والصهيونية.
إنها لحظة فاصلة… تختبر فيها الأمة معدنها، وتعيد فيها المقاومة صياغة المعادلة: حيث يكون الإيمان، تكون القوة، وحيث تُرفع راية القدس، لا مكان للحياد.