اخبار محليةالعرض في السلايدرتقارير

 عملية “بشائر الفتح” الإيرانية… تكسر الهيمنة الأمريكية وتعيد صياغة موازين القوة في المنطقة واليمن يعزز الردع الإقليمي

 

21 سبتمبر / تقرير خاص
في تطوّر استراتيجي يشكّل نقطة فاصلة في مسار الصراع الإقليمي، أطلقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عمليتها العسكرية الشاملة تحت اسم “بشائر الفتح”، ردًّا مباشرًا على العدوان الأمريكية الذي استهدف منشآتها النووية جنوبي طهران. لم يكن هذا الرد فعلًا انتقاميًا عابرًا، بل عملية دقيقة أُعدّت بخطوات محسوبة، تهدف إلى فرض معادلة ردع جديدة في الخليج تضع حدًّا لأي محاولة أمريكية لفرض واقع يتنافى مع السيادة الوطنية.

الرد الإيراني تجاوز الطابع المحلي، ليمتد إلى قواعد أمريكية في السعودية وقطر والبحرين والعراق، حاملاً رسالة واضحة: لا مجال بعد اليوم لتكتيك “الضرب الصامت”، فإيران ترى أن الرد يجب أن يكون حاسمًا وفعّالًا. في موازاة ذلك، برز الموقف اليمني بإعلان صنعاء استعدادها لاستهداف السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مؤكدة أن المعركة لم تعد إيرانية خالصة، بل تحوّلت إلى مواجهة مشتركة، وأن وحدة المصير تُترجم بالفعل لا بالانتظار.

إدراك إيراني للعدوان الحقيقي:
لم يكن استهداف المنشآت النووية مجرد هجوم تكتيكي، بل اختبارًا مباشرًا لإرادة إيران، واستفزازًا لقدرتها على حماية أمنها الحيوي. القيادة الإيرانية تلقّت الرسالة بوضوح، وردّت بسرعة من خلال عملية “بشائر الفتح”، لتؤكد أن الأمن القومي ليس مادة للتفاوض، بل قضية ترتبط مباشرة بالسيادة والكرامة.

جاء الرد الإيراني سياسيًا وعسكريًا في آنٍ واحد، مركزًا على إحداث أثر عميق في معادلة الردع، بدلًا من الانجرار إلى رد فعل عرضي أو رمزي. بهذا الفعل، أوضحت طهران أن أمنها يُصان من داخل منظومتها السيادية، وبأنها لن تسمح بمرور أي تهديد دون محاسبة.

بشائر الفتح: ردّ استباقي وتحوّل نوعي:
انتقال إيران من نمط الرد الدفاعي التقليدي إلى رد هجومي استباقي مثّل تحوّلًا نوعيًا في استراتيجية الردع. توجيه ضربات دقيقة لأربع قواعد أميركية في الخليج والعراق يعكس نضجًا في المقاربة الإيرانية، التي لم تعد تكتفي بالتفاعل مع التهديد، بل تسعى إلى إعادة رسم المشهد الاستراتيجي بمنطق مغاير: الردّ يبدأ من داخل منظومة الخصم، لا عند حدود التماس.

توقيت العملية كان محسوبًا بدقة. في الوقت الذي توقعت فيه واشنطن أن طهران ستتراجع خشية التصعيد، جاء الرد الإيراني كقفزة نوعية قلبت معادلة الخوف إلى نقطة قوة. ولم يكن الهدف فقط إلحاق أذى عسكري، بل ضرب الثقة الأميركية في حصانة قواعدها، بما يعكس تحوّلًا في ميزان الردع.

تفوق إيراني بالصواريخ… الرد يتجاوز الدفاعات
تملك إيران ترسانة صاروخية متعددة المديات تشكل اليوم العمود الفقري لاستراتيجيتها الدفاعية والهجومية، وتُعد الأكثر تنوعًا ومرونة في الإقليم.

في عمليات القوات المسلحة الإيرانية ضد العدو الإسرائيلي، ظهرت هذه القدرات بشكل مباشر، حيث تم تنفيذ ضربات دقيقة على أهداف استراتيجية داخل العمق الإسرائيلي باستخدام صواريخ تم تطويرها محليًا، بقدرات توجيه دقيقة ونظم إطلاق متحركة. المفاجأة لم تكن في حجم الضربة فحسب، بل في قدرتها على تجاوز كل الطبقات الدفاعية التي بنتها “إسرائيل” والولايات المتحدة على مدى سنوات، ما يؤكد أن إيران دخلت مرحلة فرض الوقائع الصاروخية، لا مجرّد الردع الرمزي.

العنصر الأكثر تطورًا في الترسانة الإيرانية هو إدخال الصواريخ الفرط صوتية إلى ميدان العمليات الفعلية، وهي صواريخ تتمتع بسرعة تتجاوز 5 ماخ وقدرة عالية على المناورة خلال الطيران، ما يجعل اعتراضها مهمة شبه مستحيلة حتى لمنظومات الدفاع المتقدمة. هذه الصواريخ منحت إيران القدرة على تقليص زمن الضربة، وزيادة عنصر المفاجأة، وتجاوز الدفاعات الجوية حتى قبل أن تفعّل أنظمة الإنذار المبكر. استخدام هذه الفئة من الصواريخ، يكن استعراضًا تقنيًا، بل تطورًا نوعيًا في فلسفة الاشتباك، هدفه شلّ قدرة العدو على الردع المسبق أو امتصاص الهجوم.

تمكن هذه الصواريخ، إضافة إلى الترسانة الباليستية والتكتيكية الأخرى، من تنفيذ هجمات متزامنة على عدة جبهات، ضمن استراتيجية “تشتيت الأنظمة الدفاعية”، وهو ما ظهر جليًا في عجز منظومات مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” و”باتريوت” عن التصدي للموجات المتلاحقة من الضربات. هذا الانكشاف الأمني لدى الطرف الإسرائيلي كشف عن تحوّل في موازين القوة، لم تعد فيه الحماية الجوية ضمانًا، بل ثغرة يمكن استغلالها. الرد الإيراني لم يقتصر على استهداف أهداف محددة، بل قدّم رسالة عسكرية مباشرة مفادها أن السيطرة الجوية لم تعد حكرًا على الطرف الأميركي أو الصهيوني، وأن طهران تملك الآن المفتاح لإعادة رسم قواعد الاشتباك، فوق الأرض وتحت السماء

اليمن في قلب الصراع… لاعب استراتيجي لا يمكن تجاوزه
اليمن من جانبه أثبت أنه لم يعُد مجرد طرف ثانوي في معادلة الصراع، بل أصبح قوة قائمة بذاتها تمتلك القدرة على ضرب المصالح الأميركية والإسرائيلية في البحر والبر. العمليات التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية، سواء بالصواريخ أو المسيّرات أو الزوارق المتقدمة، تستهدف بشكل مباشر السفن الحربية الأميركية في البحر الأحمر ومحيط باب المندب، وترسل إشارات واضحة بأن واشنطن لم تعد قادرة على التحرك بحرية في الممرات الحيوية الخاضعة لمجال الردع اليمني. هذه القدرة الدقيقة والمدروسة على الإرباك والرد المؤلم جعلت من صنعاء قوة يُحسب لها ألف حساب في الحسابات العسكرية الأميركية.

تنامي القدرات الهجومية لدى القوات اليمنية، وامتلاكها ترسانة متنوعة يمكنها الوصول إلى القواعد الأميركية في جيبوتي وخليج عدن، يوسّع من رقعة الضغط الاستراتيجي على الولايات المتحدة. فالصواريخ البعيدة المدى والطائرات المسيرة الدقيقة لم تعد تُستخدم للرد الدفاعي فقط، بل باتت أدوات تهديد جاهزة قادرة على ضرب العمق العسكري الأميركي في اللحظة التي تُتخذ فيها القيادة قرارًا بذلك. هذا التحول في ميزان القوى يربك منظومة الردع الأميركية التقليدية، ويجبرها على الحذر الشديد في تعاملها مع الجبهة اليمنية.

ومع تصاعد فعالية الردع اليمني، بات واضحًا أن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، وتحديدًا السعودية والإمارات، يتحاشون الانخراط في أي عمل عدائي ضد اليمن، مدركين حجم المخاطر التي قد تترتب على ذلك. فالتجربة علّمتهم أن الرد اليمني لا يأتي فقط كرد فعل رمزي، بل يحمل في طياته تصعيدًا نوعيًا قادرًا على ضرب أهداف حساسة داخل أراضيهم، وفي توقيت تختاره صنعاء لا واشنطن. هذا التوازن الجديد خلق حالة من “الحياد الإجباري” في الإقليم، وفرض على كثير من اللاعبين إعادة حساباتهم تفاديًا لانخراط مكلف في جبهة صارت شديدة الخطورة.

النتيجة أن اليمن اليوم لا يشارك في معادلة الردع من موقع التبعية أو الدعم الرمزي، بل من موقع المبادرة والقدرة على التأثير الميداني المباشر. امتلاكه وسائل ضغط قادرة على تهديد المصالح الأميركية والإسرائيلية في مساحات جغرافية حساسة، يجعله أحد أركان التوازن الإقليمي الجديد، حيث يُعاد تعريف موازين القوة على أساس قدرة الفعل، لا الانتماء للتحالفات التقليدية.

خيارات واشنطن في ميدان الردع: بين العجز والمناورة
تجد واشنطن نفسها اليوم أمام معادلة ردع لم تُعهد من قبل، فالمواجهة مع محور المقاومة لم تعد تُدار من موقع التفوّق الأميركي المعتاد، بل من واقع جديد تتقاسم فيه القوى الصاعدة زمام المبادرة. التصعيد العسكري الشامل، الذي لطالما شكّل الخيار المفضل لإظهار الحزم الأميركي، أصبح الآن محفوفًا بكلفة باهظة سياسيًا وعسكريًا، في ظل هشاشة الجبهة الداخلية الأميركية ورفض قطاعات واسعة لأي تورط عسكري جديد. أما الضربات المحدودة، وإن بدت خيارًا آمنًا لتسجيل موقف، إلا أنها لا تفعل شيئًا أمام عمق الضربة الإيرانية-اليمنية الأخيرة، بل تُكرّس صورة ردود الفعل المتأخرة وتزيد من زخم المبادرة لدى محور المقاومة. بذلك، تنحصر واشنطن في خيار المفاوضات، وهو اعتراف ضمني بتغيّر ميزان القوى، حيث لم تعد اليد العليا لها، بل أصبحت جزءًا من معادلة تفرضها قوى تملك أدوات الردع الحقيقية.

إعادة رسم الخارطة الإقليمية: انهيار التقاليد وصعود السيادة
الرد الإيراني-اليمني المشترك لم يكن مجرد تصعيد عابر، بل شكّل لحظة مفصلية أعادت رسم ملامح التحالفات الإقليمية على أسس مختلفة. أبرز ارتدادات هذا الرد تمثلت في تآكل الثقة بين واشنطن وبعض حلفائها الخليجيين، الذين باتوا ينظرون بعين القلق إلى كلفة الانحياز الأعمى للسياسات الأميركية، ما دفعهم لإعادة تقييم علاقاتهم الأمنية في ظل تصاعد قدرات محور المقاومة. في المقابل، حظيت القضية الفلسطينية بزخم استراتيجي جديد، مع تلاقي الجبهات المقاومة ميدانيًا في وجه المشروع الأميركي-الصهيوني في حين باتت مشاريع التطبيع تتعثر أمام التوترات المتصاعدة التي جعلت من الانخراط العلني مع “تل أبيب” مخاطرة سياسية داخلية.

لقد أنتج الرد تحوّلًا نوعيًا في معادلة التحالفات، من منطق التبعية والانضباط إلى منطق القرار السيادي المرتبط بالكرامة والاستقلال، وهو ما يعيد تعريف النظام الإقليمي على أسس تتجاوز الهيمنة التقليدية.

نهاية زمن الهيمنة: “بشائر الفتح” ومعادلة الردع الجديدة
عملية “بشائر الفتح” لم تكن مجرد ردّ عسكري على اعتداء محدد، بل إعلان استراتيجي عن ولادة معادلة ردع جديدة تُدار من قلب المنطقة، لا من خارجها. الرد الإيراني المدروس، المدعوم بتحرك يمني ميداني واسع، أسّس لمنظومة توازن قوى تقوم على الفعل لا الانفعال، وعلى المبادرة لا الانتظار. لقد أصبحت السيادة فعلًا ميدانيًا يُنتزع ولا يُمنح، عنوانه الدقة والقدرة والجرأة في مواجهة الهيمنة.

المعادلة الجديدة، التي فرضها محور المقاومة بقوّته الذاتية، تعيد تعريف الشرق الأوسط خارج إرادة القوى التقليدية. إيران واليمن لم تعودا في موقع الدفاع، بل في مركز المبادرة الاستراتيجية. هذه المواجهة قد تكون طويلة، لكن سماتها مختلفة: إنها صراع على القواعد، لا مجرد تبادل للضربات، حيث الفاعلون الجدد يكتبون معادلاتهم بأيديهم، ويصوغون مستقبل المنطقة بمعايير السيادة والاستقلال، لا الخضوع والتبعية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com