الوعي الأمني.. ثمرة ثورة 21 سبتمبر ومنظومة “مدري” نموذجًا

21 سبتمبر / تقرير خاص
في عصر تتسارع فيه الحروب التكنولوجية والمعلوماتية، لم تعد ساحات القتال محصورة بين المدافع والدبابات، بل امتدت لتشمل الفضاء الرقمي الذي بات يُعتبر ساحةً حيويةً في حروب اليوم. بين معارك السيطرة على المعلومات وحماية البيانات، برز الوعي الأمني الشعبي في اليمن كنموذج فريد يُحتذى به، لا سيما في ظل ظروف عدوان خارجي متكامل ومتشابك يستهدف تفكيك الدولة اليمنية وتقويض سيادتها. هذا الوعي لم يكن وليد اللحظة، بل هو ثمرة طبيعية وعميقة لثورة 21 سبتمبر المباركة التي أعادت صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وجعلت من المواطن شريكًا فعالاً في مواجهة التحديات الكبرى.
ثورة 21 سبتمبر.. انطلاقة الوعي الوطني والتحصين الأمني
لا يمكن فهم الوعي الأمني الشعبي اليمني بمعزل عن ثورة 21 سبتمبر، تلك الثورة التي أعادت الاعتبار للسيادة الوطنية وأوجدت انطلاقة جديدة في وعي المجتمع اليمني تجاه القضايا الوطنية الكبرى. الثورة لم تكن فقط تغييرًا سياسيًا، بل كانت إعادة بناء شامل لمفهوم الانتماء والمسؤولية، حيث أصبح الشعب في قلب صناعة القرار والمقاومة، ليس كمجرد متلقٍ، بل كشريك فاعل في صناعة مجتمعه ومستقبله.
من هنا، جاء الوعي الأمني كامتداد طبيعي لهذا التحول، حيث تجلت لدى اليمنيين قدرة استثنائية على إدراك أهمية حماية المعلومات، والالتزام بالتعليمات التي تهدف إلى حماية الجبهة الداخلية من تسريبات العدو وفضح المواقع الحساسة. هذا الوعي، الذي كان نادرًا في السابق، أصبح من صلب ثقافة المجتمع، ومصدرًا لقوة لا تقل أهمية عن القوة العسكرية.
منظومة “مدري”.. نموذج التزام ووعي أمني رفيع
بين نماذج هذا الوعي المتميز، برزت منظومة “مدري” كأحد أبرز الأمثلة على مستوى الالتزام الأمني والوعي الجماهيري. “مدري” لم تكن مجرد حملة توعوية عابرة، بل جسدت نموذجًا عمليًا للتفاعل الذكي والمسؤول مع التهديدات الأمنية، حيث أدرك المواطنون أهمية عدم التفاعل العشوائي مع المعلومات، وعدم نشر الأخبار والمقاطع التي قد تُعرض الجبهة الداخلية للخطر.
هذه المنظومة مثلت رد فعل ذكيًا ومؤثرًا على مستوى الشارع اليمني، حيث لم يقتصر الأمر على التوجيهات الرسمية، بل تحولت إلى ثقافة شعبية واعية أظهرت قدرة المواطنين على المساهمة الفاعلة في المعركة الأمنية، وهو أمر لم تخلُ منه تقارير استخباراتية معادية، التي أجمعت على أن هذا الوعي أربك كثيرًا من خطط العدو، وأدى إلى إعاقة قدراته على جمع المعلومات والتخطيط بشكل دقيق.
الالتزام الشعبي.. سلاح اليمنيين في مواجهة أعظم جيوش العالم
حينما يتحدث المحللون عن المواجهة اليمنية مع أقوى الجيوش في العالم، لا يقفون فقط عند حجم القوة العسكرية أو الإمكانيات المادية، بل يركزون على عامل أساسي ومفصلي تمثل في الوعي الشعبي والتزامه، وهو ما أكده تكرار نجاحات اليمنيين رغم الفارق الكبير في القدرات العسكرية.
الوعي الأمني الذي تجسد في التزام المواطنين بتعليمات حماية المعلومات، كان حجر الزاوية الذي مكن اليمنيين من التفوق في مواجهة غول العدوان. فقد أدى هذا الالتزام إلى منع العدو من الاستفادة من نقاط ضعف كانت ستتحول إلى أهداف سهلة، إذ لم يعد بإمكانه الاعتماد على تسريبات إعلامية أو تسريبات من الداخل، ما حرم الاستخبارات الأمريكية من المصادر التي تعتمد عليها بشكل أساسي في تخطيط عملياتها.
هذا الالتزام الشعبي كان بمثابة درع حصين يحمي الجبهة الداخلية، ويربط بين المواطن والقيادة، ويرسخ مفهوم أن المعركة ليست فقط على الأرض، بل في ميادين المعلومات والوعي. بذلك، تأكد أن الانتصار على العدو لا يقاس فقط بالسلاح، بل بمدى استيعاب المجتمع لأهمية دوره في كل تفاصيل المواجهة.
التخبط الأمريكي.. انعكاسات فقدان المعلومات والعمى الاستخباراتي
واحدة من النتائج الحاسمة للوعي الأمني اليمني هي حالة التخبط التي عاشتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية خلال سنوات العدوان، حيث عانت من فقدان مصادر المعلومات الحيوية التي يعتمد عليها الجيش الأمريكي في التخطيط والتنفيذ. هذا الفراغ الاستخباراتي وضع العدو في موقف لا يحسد عليه، حيث تحولت الخطط إلى رهانات خاسرة، ووقعت أجهزة المخابرات في دوامة التخبط والعجز.
وفي ظل هذه الأزمة الاستخباراتية، ظهرت أوجه القصور في قدرة العدو على قراءة الواقع الميداني وفهم ديناميكيات المعركة، مما أثر سلبًا على كفاءة تنفيذ عملياته، وأدى إلى تآكل معنويات قواته وحلفائه. وهذا ما زاد من فرص اليمنيين في قلب موازين المعركة لصالحهم رغم قلة الإمكانات.
الأبواق تسخر من وعي الشعب اليمني..
ردًا على فشلهم في اختراق الوعي الشعبي، لجأ العدو الأمريكي والصهيوني إلى أبواق داخلية من المرتزقة والمنافقين اليمنيين الذين شنوا حملات إعلامية تشويهية على منظومات الوعي الأمني مثل “مدري”، محاولين التقليل من أهمية هذه المبادرات الوطنية. وصفوا تلك الحملات بالسخيفة والعبثية، في محاولة لتقويض ثقة المجتمع في أدواته الدفاعية الذاتية.
لكن الحقيقة المرة أن هذه الحملات كانت دليلًا على مدى تأثير ونجاح هذه المبادرات، التي أربكت حسابات العدو وأرغمت أجهزته على الاعتراف بشكل ضمني بفشلها. السخرية والتقليل من شأن الوعي الشعبي كانت بمثابة رد فعل دفاعي على واقع قاهر لا يستطيعون تغييره.
الكيان الصهيوني يعتمد ذات المنظومة لتحصين جبته الداخلية..
في مشهد يعكس اعترافًا صريحًا بقيمة الوعي الأمني، لجأ الكيان الصهيوني إلى تبني منظومة مشابهة لمنظومة “مدري” أطلق عليها “الرقيب العسكري”، في محاولة منه لتحصين جبهته الداخلية من الهجمات المعلوماتية والاختراقات الأمنية. هذا التبني لم يكن مجرد تقليد، بل اعتراف بأهمية ودقة التجربة اليمنية في مجال التحصين الأمني.
المفارقة الكبرى ظهرت في صمت الأبواق الصهيونية اليمنية التي كانت تبث السخرية والتشكيك حول “مدري” عندما طبق العدو نفس المنظومة، حيث أغلقت هذه الأصوات أفواهها، ما كشف مرة أخرى عن ازدواجية المعايير وتآمر هذه الأبواق في خدمة العدو، على حساب الوطن والمجتمع.
“الوعي.. سلاح اليمن الحقيقي”
الوعي الأمني الشعبي في اليمن ليس مجرد استجابة أمنية عابرة، بل هو نتاج طبيعي لثورة 21 سبتمبر المباركة، التي أعادت بناء جسور الانتماء والمسؤولية الوطنية. هذا الوعي، المتمثل في الالتزام الجماهيري بحماية المعلومات والتعامل الواعي مع التهديدات، هو السلاح الخفي الذي ساهم بشكل فعال في تحقيق انتصارات غير متوقعة في وجه أعتى الجيوش.
منظومة “مدري” تبرز كنموذج ملهم يُجسد هذا الوعي، لكن الصورة الأكبر هي وعي شعبي متماسك ومتحرك ككتلة واحدة، أثبت أن قوة الشعب في وعيه والتزامه هي أقوى من أي سلاح.
وهكذا، يكشف التاريخ اليمني الحديث أن الانتصار الحقيقي يبدأ من داخل الإنسان والمجتمع، حيث تتجسد سيادة الوطن في وعينا الجماعي.