الرئيس المشاط يُعلن بدء مرحلة ردع استراتيجية.. تصنيف مسارات العدو مناطق خطر

21سبتمبر | تقرير خاص
في لحظة سياسية وعسكرية مفصلية، يتقدم اليمن بثبات إلى واجهة المواجهة مع المشروع الأمريكي-الصهيوني، مؤكّدًا أن موقفه الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني لم يكن يومًا موقفًا رمزيًا أو إعلاميًا، بل التزامًا استراتيجيًا متكاملًا، يُترجم في ميادين القتال والقرار السياسي والفاعلية الإقليمية.
صنعاء، التي كانت يومًا تحت الحصار والتجاهل، أصبحت اليوم من أبرز العواصم التي تُعيد تشكيل قواعد الاشتباك في المنطقة، وتُربك حسابات القوى الكبرى، من خلال موقف صلب وفاعل في دعم غزة، لا تراجُع فيه حتى وقف العدوان ورفع الحصار.
تصريحات الرئيس المشاط: تحذير حاسم وتحرك سيادي
في تصريحٍ يحمل دلالات عسكرية وسياسية بالغة الأهمية، أعلن فخامة المشير الركن مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، أن اليمن قد وجّه بتصنيف مسارات الطيران التابعة للعدو الصهيوني، والتي تُستخدم في تنفيذ اعتداءات على الأراضي اليمنية، كمناطق خطر يتوجب على الشركات الدولية تجنبها، حفاظًا على سلامة الملاحة الجوية والبحرية.
وأشار إلى أن الأيام القادمة ستشهد أخبارًا سارة بخصوص الطائرات الصهيونية التي شاركت في العدوان على اليمن، مؤكدًا أن الدفاعات الجوية اليمنية باتت قادرة على تحويل “فخر الصناعات الإسرائيلية” إلى مصدر للسخرية.
هذه التصريحات لا تأتي من فراغ، بل تعكس ثقة كاملة بقدرات القوات المسلحة اليمنية، واستعدادًا واضحًا لخوض معركة الدفاع والردع، دون التأثير على أمن الملاحة العالمية، في دلالة على تطور نوعي في تكنولوجيا الدفاع الجوي والاستطلاع العسكري اليمني.
من الدفاع إلى فرض المعادلة
تصنيف مسارات العدو كمناطق خطر لا يُعد مجرد تحذير، بل هو إعلان عن مرحلة جديدة من الاشتباك، يتحول فيها اليمن من موقع الدفاع إلى موقع الفعل والسيطرة على المعادلة.
القوات المسلحة اليمنية لم تعد تكتفي بردود الفعل، بل باتت قادرة على المبادرة، وفرض قواعد اشتباك جديدة تربك العدو وتحمل كلفة مباشرة على مصالحه، وتُجبر الشركات الدولية على مراجعة مساراتها، وإعادة النظر في علاقتها بأنظمة العدوان.
اليمن، بهذه الخطوة، يُسخّر القانون الدولي لصالحه، مستندًا إلى حقه في الدفاع عن النفس، ومُحمّلًا الجهات الأجنبية مسؤولية التواطؤ مع المعتدين في حال تجاهل التحذيرات.
اليمن في قلب معركة غزة: دعم يتجاوز الشعارات
منذ بدء العدوان على غزة في أكتوبر 2023، أعلن اليمن صراحةً دخوله معركة الدفاع عن فلسطين.
وفي نوفمبر من العام نفسه، نفذت القوات المسلحة اليمنية أولى عملياتها البحرية النوعية ضد السفن المرتبطة بالعدو الصهيوني في البحر الأحمر وباب المندب، تلاها استهداف مباشر للسفن المتجهة إلى الموانئ المحتلة، في خطوة فاجأت المجتمع الدولي، وأربكت حركة التجارة الإسرائيلية.
وفي فبراير 2024، أعلنت القوات اليمنية تنفيذ عمليات جوية نوعية استهدفت مطار بن غوريون في يافا المحتلة، مُؤكدة أن اليد اليمنية قادرة على الوصول إلى عمق الكيان.
ولأول مرة منذ عقود، فُرض على العدو الصهيوني حصار جوي وبحري فعلي من خارج حدود فلسطين، لا عبر قرارات أممية، بل عبر فعل مقاوم تقوده صنعاء بالتنسيق مع قوى محور المقاومة.
الثبات السياسي والعسكري حتى وقف العدوان
رغم القصف الأمريكي والبريطاني الذي استهدف مواقع يمنية في صنعاء والحديدة وصعدة، ورغم الحصار السياسي والإعلامي، لم يتراجع اليمن عن موقفه، بل وسّع من عملياته العسكرية، ورفع من سقف خطابه السياسي، دون أن يُقدّم أي تنازلات.
وبينما اكتفت دولٌ كبرى بالشجب والبيانات، ظل اليمن في موقع الفعل والمواجهة، مؤكدًا أن معركته مع الكيان الصهيوني ليست ظرفية، بل جزء من عقيدته السياسية والعسكرية.
صنعاء اليوم، لا تُقاتل فقط من أجل غزة، بل من أجل توازن جديد في المنطقة، يجعل من دعم القضية الفلسطينية بوابة لاستعادة السيادة والكرامة العربية والإسلامية.
تحدي الهيمنة الأمريكية ومسؤولية المجتمع الدولي
ما يجري من صنعاء لا يمكن عزله عن المشهد الدولي، حيث بدأت تتراجع الهيمنة الأمريكية، ويظهر فشل المشروع الإسرائيلي في فرض واقع جديد في فلسطين.
اليمن، من موقعه الجغرافي الحاكم عند بوابة البحر الأحمر، لم يعد مجرد مراقب، بل فاعل مباشر في أمن الملاحة الدولية، يمتلك من الوسائل ما يجعل تجاهل موقفه مخاطرة حقيقية.
رسالة صنعاء واضحة: الأمن لا يُمنح للمعتدين، والملاحة لن تبقى آمنة إذا استُخدمت كأداة للعدوان.
وفي المقابل، يُحمّل اليمن المجتمع الدولي مسؤولية التواطؤ بالصمت، ويضع الشركات الكبرى أمام خيارين لا ثالث لهما: الالتزام بالحياد، أو تحمّل نتائج التواطؤ مع الاحتلال.
لماذا اليمن؟ ولمصلحة من؟
خوض اليمن لهذه المواجهة ليس استعراضًا، بل امتداد طبيعي لتاريخه وموقعه الأخلاقي والسياسي.
هو التزام تجاه قضايا الأمة، وهو في ذات الوقت استثمار في السيادة الوطنية والتماسك الداخلي، ورسالة بأن اليمن ليس تابعًا في المعادلات الدولية، بل صانع لها.
اليمن يدافع عن غزة، لكنه في الوقت ذاته يدافع عن مستقبله، عن حضوره الإقليمي، عن حريته وقراره السيادي، ويُجسد روحًا عربية لا تزال حية رغم كل محاولات الإخضاع والتطبيع.
اليمن، الذي صمد لسنوات تحت العدوان والحصار، لم يخرج من هذه التجربة مُنهكًا، بل خرج منها أكثر صلابة وثقة. ومن موقعه المتقدم اليوم، يُعيد تعريف موازين الردع في الإقليم، ويبعث برسالة واضحة للعالم: لا أمن للمعتدين، لا سلام للمحتلين، ولا حرية للملاحة إذا كانت ممرًا لقتل الشعوب.