المدارس الصيفية في اليمن.. معركة الهوية وصناعة الوعي
المدارس الصيفية في اليمن.. معركة الهوية وصناعة الوعي

21 سبتمبر- تقرير: عبدالمؤمن جحاف
في لحظة تاريخية تعيش فيها المجتمعات العربية حالة اغتراب هوياتي وثقافي، تبرز في اليمن تجربة ثقافية استثنائية تستحق التأمل،لا بوصفها برنامجًا تربويًا عابرًا، بل كميدانٍ صلب للمواجهة الثقافية، وساحة لصياغة وعيٍ جديد يقف في وجه الهيمنة، ويؤسس لإنسان مستقلٍّ عن أنماط التبعية المسوقة من الخارج.
تُعد “المدارس الصيفية” في اليمن – وتحديدًا في مناطق القوى المناهضة للهيمنة الأمريكية – نموذجًا ثقافيًا مضادًا للتيار، حيث يتم فيها إعادة تعريف العلاقة بين الفرد والمجتمع، وبين المعرفة والقيم، وبين الانتماء والدور. وفي هذا السياق، يظهر جيل جديد، لا يحمل مجرد معلومات دينية، بل يتشرب رؤية كونية وموقفًا وجوديًا يتأسس على مرجعية قرآنية، ويتجاوز الخضوع الثقافي السائد.
الهوية كفعل مقاومة
الهوية، في الفهم الثقافي العميق، ليست فقط انتماءً جغرافيًا أو دينيًا، بل هي بنية وعي وشبكة رموز تُحدد للإنسان موقعه في العالم. ومن هنا، فإن المشروع الذي تتبناه المدارس الصيفية هو إعادة تشكيل هذه البنية في سياق معركة مفتوحة بين ثقافة الاستقلال الذاتي وثقافة التبعية الاستهلاكية.
في مقابل الثقافة الإعلامية الاستلابية التي تروّج للنمط الأمريكي كمثال أعلى، تقدم هذه المدارس ثقافة(متجذرة) تستند إلى القرآن كمرجعية معرفية، والأنبياء كنماذج سلوكية، والتاريخ الإسلامي كمصدر إلهام لا كماضٍ جامد.
الطفل بين التلقين والتحرير
ما يُلفت في هذا المشروع هو نقله للطفل من موقع التلقي السلبي إلى موقع الفاعلية، حيث تُعاد صياغة العلاقة مع النص القرآني لا كمجرد حفظ لفظي، بل كمصدر لإنتاج المعنى. الطفل هنا ليس موضوعًا للتنشئة بل شريك في الفهم، يحمل منذ الصغر أدوات الوعي، ويبدأ مبكرًا في بناء مناعته الثقافية ضد الانبهار الزائف بنماذج الحداثة الاستهلاكية.
وهذا ما يُفسر لماذا يبدو هذا الجيل – رغم صغر سنه – واعيًا بمفاهيم كـ”الهوية”، “الاستقلال”، “المؤامرة”، و”المعركة الحضارية”. فالمعارف لا تُلقَّن له كحقائق نهائية، بل تُقدَّم كأدوات لفهم الواقع وتحليل القوى المتصارعة فيه.
من الدفاع إلى البناء
تتميز هذه التجربة بأنها لا تكتفي برد الفعل على الغزو الثقافي، بل تنتقل إلى مرحلة الفعل الثقافي البنّاء، الذي يؤسس لخطاب جديد، ويربي إنسانًا قادرًا على حمل المشروع الحضاري بأدوات العصر، ولكن من منطلق روحي أصيل.
إنها لحظة نادرة تُبنى فيها الهوية لا من خلال الماضي وحده، بل من خلال استشراف المستقبل. لحظة تُصبح فيها التربية الثقافية فعلًا سياسيًا، والمجتمع التربوي خلية مقاومة، والطفولة ساحة اشتباك رمزي.
الخاتمة:
ما يُزرع اليوم في هذه المدارس لن يبقى حبيس جدرانها. إنه مشروع طويل النفس لإعادة تشكيل الإنسان، وتحويل الثقافة من حالة دفاعية إلى حالة هجومية . وإذا كانت القوى الاستعمارية تراهن على تجهيل الأجيال لتضمن بقاء سيطرتها، فإن هذا المشروع يراهن على المعرفة الواعية كطريق للتحرر.
في زمن تتساقط فيه الأقنعة، ينهض جيل لم يُهزم بالتضليل، ولم تنل منه الحرب الناعمة.
جيل لا يُصنَع في المختبرات الغربية، بل يُبنى من نور القرآن ومن عزم اليمنيين.
جيل… تخافه واشنطن وتخشاه تل أبيب، لأنه يحمل في داخله بذور المستقبل الذي لا يشبه حاضر الهزيمة.