اخبار محليةمقالات

أين كنا سنجد المولى في هذا العدوان ؟ .. بقلم/ د. حمود الأهنومي

21 سبتمبر || مقالات :

هذه هي الذكرى  السادسة عشر لرحيل ذلكم العالم الكريم الذي حقق العلوم ، وأحيا تراث أهل البيت عليهم السلام ، بالسند ، والمتن ، واستعرض تراث أهل البيت فحصا ونقدا ، وعاشه حركة ومسيرة ، وما فتئ يشيد بوظيفتهم الاجتماعية في تصحيح مسارات الانحراف على مر تاريخ المسلمين، باعتبارهم شهداء على الأمة، وأعلام هدايتها .

 

والسؤال الذي يجب إثارته ، هو أين كنا سنجد هذه القامة العلمية والعملية السامقة التي ورثت تراث أهل البيت، وعشقته وجدانا ، وانتهجته سبيلا ، لو طال به العمر ، أو امتد به زمان ، ليشهد معنا هذا العدوان على اليمن، الذي يهلك الحرث والنسل ، ويملؤه فسادا ودمارا، وقتلا وتخريبا، أين كنا سنجده وهو في بلد الإيمان والحكمة إذ يتعرّض لأوقحِ وأصلف عدوانٍ عرفته البشرية، بحجة ( ضب طالما احترشه ) ، ألا وهي ( الرافضية ) و ( المجوسية ) .

ولا أظنني وجميع القراء نستصعب الإجابة على هذا السؤال، بل ربما قال قائلنا : لم يكن هناك من داع لسؤالٍ غبيٍّ مثل هذا ، لا سيما ونحن نشهد تلامذة السيد الإمام مجدالدين المؤيدي ومريديه في مقدمة الصفوف ، وجباه الجبهات ، لكنني أجيب مردِّدا ما ردّده سلام الله عليه من قبلي :

نحن أدرى ـ وقد سألنا ـ بنجدٍ …. أقصيرٌ طريقُه أم طويلُ ؟

وكثيرٌ من السؤال اشتياقٌ …. وكثيرٌ من ردِّه تعليلُ

وما ردده أيضا :

في كل يوم أستفيد تجارباً …. كم عالم بالشيء وهو يسائلُ

لقد كان سلام الله عليه مغرما بصيانة تراث أهل البيت في اليمن، وتنقيح علومهم، وعرض رؤاهم، وحفظ مبادئهم، والتي بدون شك من أهمها الجهاد لأعداء الله الظالمين المستكبرين .

إن أي مسلم يقتنع بفكر أهل البيت ومبادئهم، وينتهج أصولهم، ويعشق آثارهم التي قدّمتهم على أنهم المجاهدون، الذين قدّموا أرواحهم رخيصة من أجل صلاح أمة جدهم، وملأوا التاريخ تضحيات ومجدا وجهادا ضد طغاة الأرض، لا يقيلون ولا يستقيلون، دفعا للظالمين، ونصرة للمستضعفين، وانحيازا للأمة، ورحمة بها، لا بدّ وأن يكون في صف المظلومين في هذه الحرب الدائرة، ولا بد أن يكون في مواجهة المستكبرين .

وبما أن هذه المعركة قد أبانت الصبحَ لكل ذي عينين، بأن أهل الاستكبار والطغيان والطاغوت في الأرض جميعهم اليوم يقفون في موقفٍ واحدٍ ضد شعبنا الذي تاق للحرية والكرامة والعزة والاستقلال، وخلع الوصاية التي لم تجلب لنا إلا أردأ المذاهب، وأقبح الطرائق، من خلال المذهب التكفيري الوهابي، فإنه حرامٌ أن لا يتوقّع أن يكون مكان المولى مجد الدين المؤيدي رحمة الله عليه في مقدمة صفوف اليمنيين المجاهدين، ضد الغزاة المعتدين، من الأمريكان والإسرائيليين ومرتزقتهم من آل سعود المنافقين، شأنه في ذلك شأن أسلافه العظماء الثائرين، الذي لم يسجِّل التاريخ موقفا زكيا ومناهضا للاحتلال والغزو لليمن إلا كان بحضورهم، وتحت قيادتهم .

ماذا سيكون موقفُ رجلٍ أنفق عمره في مناهضة المذاهب التي صنعت التكفير، والتضليل، والتبديع، ثم يرى أن هؤلاء التكفيريين المتشددين قد أشهروا سكاكينهم ذبحا وسحلا، وانطلقوا بطائراتهم على اليمن قصفا وتدميرا، لا لشيء إلا لأنهم متهمون بمحبة أهل البيت عليهم السلام، وهو الذي لم ير في ذلك إلا كمال الإيمان، وجزاء الإحسان الذي به جاء جده محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

ماذا سيكون موقفه وقد رأى هؤلاء يكتبون: جئناكم بالذبح أيها الروافض، ورأى أربعة أجيال من طلابه يقتَلون وتستحل دماؤهم في المساجد وهم يؤدون فرائض الله، ليس إلا لأنهم آمنوا بما في كتبه، واعتقدوا صحتها، وذهبوا يبحثون الطريق التي توصلهم إلى غاياتها .

من هم أولئك الذين استهدفهم العدوان في جامع بدر والحشحوش ، ولدى من تعلموا ، ألم يكونوا بني آدم ؟ ويمنيين ؟

وبعض منهم طالما عمر حلقات العلم لدى المولى رحمه الله ؟

وهل يتصوّر أن تلك الأعداد الهائلة من الشهداء والجرحى من اليمنيين الذين قتِلوا في بيوتهم ومساجدهم وأسواقهم ومشافيهم ومدارسهم ومنشآتهم لم تكن تعني المولى مجد الدين المؤيدي في عير ولا نفير، ألا يرتقون إلى مرتبة إشكال يجب أن يبحث المولى رحمة الله عليه في حل عويصه ؟

ألا يشكل استهداف يمن الإيمان لهويته الثقافية والفكرية والثورية السياسية معضلة يجعل من المولى قائما بالواجب ؟

وهو الذي كان عالما كامل العلم كامل الوعي كامل الاستعداد النفسي للعمل في الجهاد، وينتظر فقط الظروف الملائمة .

كيف لا يكون كذلك وهو القائل تلك الأبيات الجميلة التي بث فيها أسفه العميق أنه لم يقم بواجب الجهاد الذي كان يرجوه، فيقول متحسرا متأسفا:

قد مضت وانقضت ثمانون عاماً …. وأنافت حولاً كطرْفةِ عينِ

لم أحقِّقْ ما كنت أرجوه فيها …. من جهادٍ ونشرِ علمٍ ودينِ

ربِّ فاغفرْ وارحمْ وأيد وسدِّد …. واعفُ والطُفْ رباه في الدارين

أما حين تتيسر أسباب الجهاد، وأهمها هو الدفاع عن النفس والدين والعرض والأرض من خطرٍ متيَقَّنٍ وقوعُه لو لم يقم الناس بواجب الجهاد، فإنه لمن الغنائم التي طالما حلم بها المولى، وأسف أن لا ينالها، لاسيما وهو الذي أطربته مقولات الأئمة الثائرين، ونقلها نقل المتأسي بنفسه، المعلِّم لغيره، ومنها مقولة الإمام زيد عليه السلام التي قالها لما خفقت على رأسه رايات الجهاد، فقال : ( الحمد لله الذي أكمل لي ديني ، والله ما يسرّني أني لقيت محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ولم آمر في أمته بمعروف ، ولم أنههم عن منكر ) .

هل يمكن لرجل مثل المولى سلام الله عليه أن يقف على الحياد في هذه المعركة المصيرية التي لم يستهدف فيها إلا فكر أهل البيت عليهم السلام وأتباعه بالدرجة الأولى ؛ لأنه هو من يشكل الخطر على الاستكبار العالمي، باعتباره فكرا ثوريا ، وكيف لا يكون المولى كذلك ، وهو الذي يقول عن أهل البيت عليهم السلام: “ولم يبرحوا في غمرات الحروب يباشرون بأنفسهم مدلهمات الكروب، كما قال قائلهم :

ونحن بنو بنت النبي محمد …. ونحن بأطراف الأسنة أدرب ” . وأي غمرة أشرف من هذه الغمرة ، وأي كروبٍ أشدُّ من هذه الكربة التي لا بد أن يكون أهل البيت في مقدمتها ؟!

كيف لا نتوقع ذلك، وهو الذي نراه يردد بيتين قالهما أحد ثوار أهل البيت قبله، وهما :

ولست بفاخرٍ سفهاً وكبراً …. ولكن طاعة الباري افتخاري

وهل رجل يقول أبي علي …. يقهقر عن مناطحة الشفار

إن هذا هو المتوقع لرجل كان إمام أهل البيت في عصره علما وعملا، وجهادا واجتهادا، وربّى أجيال العزة والكرامة على منهج الثورة والرفض للظلم والظالمين على مدى نصف قرن كما ورد في بيان النعي الذي أصدره السيد القائد عبدالملك الحوثي غداة رحيله قبل تسعة أعوام .

ومن نافلة القول أنه لا تناقض بين العلم والعمل، ولا بين الجهاد والاجتهاد لدى مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ولا إخالُ محبا له ولمنهجيته لا تتحرك فيه دماء الكرامة، ولا تفور في جسده نفسية العزة، وهو يرى كل هذا المنكر بكل هذا القبح والإسفاف .

وختاما يظل المولى بمنهجيته العلمية الفذة، وتفكيره العملي الثوري الجهادي حجة على كلا الفريقين، المقصرين في العلم، والمقصرين في الجهاد، وهاهو في هذه الذكرى يطل علينا من مقامه السامي في حياة البرزخ لينعى على الجاهلين جهلهم، ويلكز الأقفية التي تعلَّمت علوما مختلفة، ولكنها لم تتعلم كيف تثأر لكرامة شعبها، وكيف تدافع عن عرضها وأرضها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com