اخبار دولية وعربيةالعرض في السلايدرتقارير

الصواريخ والمسيّرات الإيرانية: ليلة تقزيم إسرائيل

21 سبتمبر:

دفعت ليلة 13 – 14 نيسان الجاري بسابقة كانت الأولى من نوعها، عندما قرّرت إيران أن تصبح على تماس مباشر مع كيان ما انفكّت تراه المصدر الأول لزعزعة الأمن والاستقرار، في منطقة تزداد تركيبتها هشاشة على وقع اتساع الهوة الفاصلة بين شعوبها وأنظمتها. وجعلت الحرب في قطاع غزة، وهي الأطول بين الحروب التي شهدتها المنطقة منذ أيار 1948، تلك الهوة، كـ«الفالق» الذي يصعب جسره.كانت «ليلة الصواريخ والمُسيّرات» أشبه بعاصفة راحت تذرو ما تراكم فوق بواطن الأشياء، حيث التراكم هنا نتاج للهوة الآنفة الذكر. وما تكشّف كثير، وقد يكون ما تبقّى كثيراً أيضاً، في انتظار «ليلة» أخرى. لكن الأبرز في الليلة الأولى كان يتمثّل في ثلاث حقائق، أولاها أن وجود إسرائيل، وقيامها، لا يزالان أمراً فوق النقاش في دوائر القرار الغربية، والتي يشي سلوكها الأخير بأن أسراب الصواريخ والطائرات المتجهة صوب الكيان كان فعلاً من شأنها تقزيمه، ووضعه في زنزانة تفرض عليه «حجراً وبائياً» تنتفي معه آلية «اليد الطولى»، التي شكّلت على مدار ما يقرب من ثمانية عقود، الركيزة الأهم لتنشيط حيثيته الوظيفية القادرة على إبقائه في مدارات «التوهج والحيوية». وثانية الحقائق أن ثمة تحالفاً عربياً – إسرائيلياً ماثلاً على أرض الواقع بعيداً عن الاتفاقات المعلنة أو تلك المستترة. والشاهد هنا هو أن لحظة الاختبار الأولى لذلك التحالف أثبتت أن «حباله» عصية على التقطيع. أما طيفُ التحالف فقد تعدّى رزمة الموقّعين على اتفاقات سلام مع إسرائيل شهدت حتى الآن أربع طبعات منها؛ فـ«قوس قُزح» الطيف المذكور ضم السعودية وقطر إلى الدول الأربع الموقّعة، وهي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. ولربما يمكن الجزم هنا بأن فكرة إنشاء «ناتو» عربي كذراع إقليمية لـ«الناتو»، والتي جرى طرحها منذ زمن الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، دونما إعلان عن وصولها إلى «بر النجاة»، حقّقت وجوداً على أرض الواقع. والطيارون الإسرائيليون كانوا، هذه المرة، بحاجة إلى إسناد عربي، بل إنهم لم يستطيعوا تحقيق «النجاح» بمعزل عن «شركائهم» الذين أثبت بعضهم أن لا حاجة ملحّة إلى الظهور أمام الكاميرات لمهر الصكوك والمواثيق، أسوة بما حدث في «أوسلو» و«وادي عربة» و«اتفاقات أبراهام»، طالما أن الممارسة تعطي صورة أبلغ.

التراجع الوظيفي للكيان سوف تكون له تداعياته على «بورصة» التطبيع العربي

تعدّدت الروايات النشطة في سياقات «جسر الهوة»، لكن الأبرز منها كانت الرواية الأردنية التي جاءت على لسان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الذي قال إن «السيادة تُلزم المملكة بالعمل ضد أهداف معادية في مجالها الجوي»، قبل أن يضيف أن «الأمر لم يكن دفاعاً عن إسرائيل، وإنما عن المملكة نفسها». الرواية الأردنية لن تصمد بالتأكيد لو كانت الصواريخ والمُسيّرات أُطلقت من الأراضي المحتلة في اتجاه إيران. ومثل هذا الاختبار، لو حصل، ستكون له تداعيات كبرى على شارع رفع في تظاهراته، التي أعقبت «طوفان الأقصى»، شعارات عدة كان أبرزها «كل الأردن حماس»، ثم راح يطلق على أيامه أسماء «أيام الغضب الأردني» لأجل غزة. ثالثة الحقائق أن الكيان الإسرائيلي فقد الكثير من وظيفيته الاستراتيجية التي أُنشئ أصلاً لأجلها. والشاهد هنا هو أنه بات عاجزاً عن الدفاع عن نفسه بمفرده، في الوقت الذي أخذت فيه «حلقات النار» تتكامل حول جنباته. ومثل هذه الحال سوف تُراكِم وضعية للكيان تجعل منه عبئاً على حلفائه بمقاييس «المكاسب» التي يمكن أن تتأتّى من استمرار دعمه. صحيح أن الأمر قد يطول، لكنّ الانزياح الذي شهده الشارع الغربي أخيراً، يشير إلى أن «العد العكسي» بدأ. والمؤكد هنا أن التراجع الوظيفي للكيان سوف تكون له تداعياته على «بورصة» التطبيع العربي الذي تعالت أسهمه قبيل «الطوفان»، علماً أن فعل الهرولة ذاك كان نتاجاً لرؤية تقول بضرورة الاستقواء بـ «فائض القوة» الإسرائيلي في مواجهة «الشدائد» التي تعترض الأنظمة راهناً، وتلك التي هي على موعد أكيد معها، كنتاج لاتساع الهوة بين مواقفها وأماني شارعها.

في إدارة أي صراع، هناك العديد من العوامل التي تلعب دوراً مهماً إلى جانب الفعل العسكري، وفي مقدّمتها المناخ العام المحيط بذلك الصراع والذي قد يكون تأثيره حاسماً فيه، ليحدّد النتائج التي يمكن أن تقود إليها أي محطة على طريق إدارة الصراع. وفي ذلك يمكن الجزم بأن «محطة 14 نيسان» كانت خطوة على طريق تهشيم «الوظيفية» تمهيداً لتلاشيها. هذا يشبه بدرجة ما علاجاً قديماً للبثور والدمامل التي تظهر على سطح الجلد، حيث يقوم الفعل على شد محكم لشعرة من ذيل الحصان (السنطة) حول هذه الأخيرة بدرجة تقطع الدم عنها تماماً، لتضعها، مع مرور الوقت، أمام حالة السقوط التلقائي، طالما أن شروط الاستئصال بالجراحة لم تتوفّر بعد.

جريدة الأخبار

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com