مقالات

بعد سبعة أشهر: واشنطن تستعجل الهدنة

حيان نيوف
رغم إعلان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أن الجيش سيدخل رفح باتفاق أو من دونه، مؤكدًا أن وقف الحرب قبل تحقيق أهدافها أمر غير وارد،ـ ورغم أن تلك التصريحات التي جاءت قبيل وصول وزير الخارجية الأميركي بلينكن إلى الكيان الصهيوني خلال جولته الإقليمية السابعة منذ السابع من أكتوبر الفائت تسببت بصدمة للجهود والتحركات السياسية المكثفة التي تجريها أطراف عدة، فإن ما تسرّب حتّى الآن حول المفاوضات المتعلّقة بالهدنة ووقف إطلاق النار يوحي بأن الولايات المتحدة الأميركية مصرّة على الوصول إلى نتيجة ايجابية.

من غير المستبعد بأن تصريحات نتنياهو جاءت في سياق الضغط على الجانب الفلسطيني كما أنها تهدف من جانب آخر لممارسة الضغط على الوسطاء لدفعهم للقيام بمزيد من الضغوط على المقاومة الفلسطينية، وأنها جاءت بالتنسيق مع الجانب الأميركي الذي يصرّ هو الآخر على القول بأن الكرة في ملعب حماس ويطالبها بالموافقة وعدم العرقلة.

تبدو واشنطن اليوم أكثر إلحاحًا على إنجاح جهود الوساطة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، ويمكن إرجاع هذا الإلحاح الأميركي على التهدئة في هذه المرحلة لعوامل عدة ساهمت بدفع واشنطن لاستعجال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ويمكن الإشارة إلى أهم هذه العوامل وفق الآتي:

أولًا؛ شكّل الرد الإيراني المزلزل على العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق منذ أسبوعين العامل الرئيسي الذي دفع بالولايات المتحدة للتسريع باتّجاه وقف إطلاق النار، وذلك بعد أن تسبب الرد الإيراني بقلب المعادلات الجيوسياسية والاستراتيجية في الإقليم، وغير معادلات الاشتباك الإقليمية، وحرق الكثير من أوراق القوّة التي كانت تستخدمها واشنطن و”تل أبيب” في الصراع، ويكفي القول بأن “إسرائيل” احتاجت إلى ثلاث دول نووية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) وإلى ورقة توت عربية (الأردن) لمساعدتها في التصدي لهجوم إيراني واحد استمر لبضع ساعات وفشلوا في ذلك.

ثانيًا؛ شهد الأسبوعان الأخيران بعيد الرد الإيراني تصعيدًا كبيرًا من قبل جبهات الإسناد وخاصة الجبهة اللبنانية التي تحولت إلى الجبهة الأهم حيث نفذت المقاومة الإسلامية في لبنان عشرات العمليات النوعية في شمال فلسطين المحتلة، واستهدفت من خلالها أهم المواقع والقواعد العسكرية الإسرائيلية امتدادًا من الجولان السوري المحتل ووصولًا إلى عكا ومحيط حيفا على البحر المتوسط وحققت إصابات مباشرة في الأفراد والعتاد ومراكز التجسس والقيادة ومنها قاعدة ميرون الجوية، وتحول الشمال الفلسطيني المحتل إلى منطقة خارجة عن سلطة حكومة “تل أبيب” باعتراف وسائل الإعلام الإسرائيلية. وبالإضافة للجبهة اللبنانية شاهدنا عمليات نوعية وبطولية ودقيقة لجبهة الإسناد اليمنية امتدادًا من المحيط الهندي إلى بحر العرب والبحر الأحمر، والتي دفعت هي الأخرى إلى الاعتراف الغربي بالفشل عن تغيير المعادلات هناك، وهو ما دل عليه انسحاب عدة دول من القوّة البحرية التي شكلتها واشنطن وكذلك قيام الأخيرة بسحب حاملتي الطائرات من البحر الأحمر إلى المتوسط، والأمر ذاته ينطبق على جبهة الإسناد العراقية حيث استأنفت المقاومة العراقية عمليات الاستهداف بالطيران المسيّر للأهداف الحيوية داخل الأراضي المحتلة من الجولان شمالًا إلى إيلات جنوبًا.

ثالثًا؛ شكلت الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية التي أطلقت من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة لمناصرة فلسطين، وامتدت لتشمل عشرات الجامعات الأميركية في ولايات عدة، وعبرت الاطلسي ووصلت إلى الجامعات الأوروبية، عامل ضغط كبير على الإدارة الأميركية سواء لجهة ما تسببت به من انفضاح لسمعة الولايات المتحدة وديمقراطيتها المزعومة أم لجهة استغلال الجمهوريين لتلك الاحتجاجات للضغط على إدارة بايدن وتحميلها مسؤولية ما وصلت إليه الامور واتهامها بالعجز عن إيقاف حرب غزّة. في ما كانت الخشية الأكبر لدى واشنطن من انتقال عدوى الاحتجاجات إلى الدول الحليفة لها في الشرق الأوسط، وما يعنيه ذلك من انفلات الشارع في دول التطبيع العربية ضدّ واشنطن و”تل أبيب”، وهو أخطر ما تعتقد واشنطن انها من الممكن أن تخسره في هذه المرحلة الحرجة من الصراع الإقليمي والعالمي في الشرق الأوسط، وخاصة بعد الرد الإيراني الذي ترك أثره على الشارع والراي العام، وكان لافتًا بأن استنفار النظام الأميركي بكلّ مؤسساته التنفيذية والتشريعية لقمع الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين يحاكي استنفارهم في يوم السابع من أكتوبر لإنقاذ الكيان الصهيوني، ولقد بات واضحًا بأن الطوفان تحول إلى ثقافة وفكرة خالدة وعابرة للجغرافيا والتاريخ والثقافات، وهو ما بات يؤرق واشنطن كما يؤرق “تل أبيب”.

رابعًا؛ استقالات قادة الجيش الصهيوني. مع بدء التحقيقات في هزيمة 7 أكتوبر بدأت سلسلة الاستقالات من أعلى هرم قادة جيش الكيان الصهيوني، وكانت البداية إعلان رئيس الاستخبارات العسكرية أهارون هليفا لفشله في التنبؤ بهجوم الفصائل الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 على المستوطنات المحاذية لقطاع غزّة، وكان لافتًا ما صرّح به هليفا قبيل استقالته عندما قال “إن الاسوأ لم يأتٍ بعد”، وتبع ذلك الإعلان بأن قائد المنطقة الوسطى في جيش العدو اللواء يهودا فوكس سيقدم استقالته، كما انه من المتوقع ان تطيح التحقيقات بعدد كبير من قادة الجيش.

خامسًا؛ الفشل المبكر للدور التركي. وهو ما يمكن استنتاجه من توقيت ومضمون بيان الناطق باسم كتـائب القـسام أبو عبـيدة، والذي يمكن اعتباره كرد على محاولات الضغط “الأميركية التركية القطرية المصرية” الجديدة على الجناح السياسي للحركة، وعلى محاولات حرف الصراع عن حقيقته بقيادة أردوغان. أبـو عبـيدة جزم بأن القرار بيد الجناح العسكري للحركة، وأن قادة المقاومة على الأرض لن يسمحوا بتمرير الضغوط التي تمارس على الجناح السياسي للحركة والتي ظهرت خلال زيارة إسماعيل هنية لأنقرة، والتلويح القطري التركي بانتقال قادة الحركة لخارج قطر، ولعل من أدل دليل على فشل المهمّة التركية الجديدة كان إلغاء زيارة اردوغان لواشنطن التي كانت مقررة في التاسع من أيار/ مايو القادم.

سادسًا؛ المحكمة الجنائية الدولية. تشير التسريبات التي تحدثت عنها مصادر إعلامية غربية عدة ومنها صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن المدّعي العام في المحكمة الجناىية الدولية بضع اللمسات الأخيرة على اصدار مذكرات اعتقال بحق عدد من المسؤولين الإسرائيليين، وتشير تلك التسريبات إلى أن رىيس الحكومة نتنياهو سيكون من بين هؤلاء، وربما وزير حربه أيضًا، وهو ما دفع بالمسؤولين والسياسيين الأميركيين للاستنفار وإطلاق تهديدات علنية ضدّ الجنائية الدولية لمنع ذلك.

لا شك بأن واشنطن لن تعترف بتلك العوامل المؤثرة والضاغطة، ومن أجل التغطية عليها تلجأ عبر “تل أبيب” للتلويح باقتحام رفح في حال فشل المقترح الجديد الذي يمثل بالأساس تنازلًا وتراجعًا، وهو ما يفسر ما أشيع من أن “اسرائيل” أبلغت القاهرة يوم الجمعة بأنها “مستعدة لمنح فرصة أخيرة للمفاوضات من أجل وقف أطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن”.
ولا بد هنا من الإشارة إيضًا إلى أن التلويح باقتحام رفح، يشكّل ورقة الضغط الأخيرة المتبقية التي تمتلكها “اسرائيل” وتلوح بها بدعم من واشنطن، بالمقابل فإن في يد محور المقاومة أوراق كثيرة للضغط ليس أولها الأسرى الصهاينة لدى المقاومة وخاصة بعد تهديدات الناطق باسم كتائب القسام ابو عبيدة بأن يكون مصيرهم مشابها لمصير الطيار الإسرائيلي رون آراد، وليس آخرها جبهات الإسناد التي تحتفظ بكثير من عناصر القوّة التي لم تظهرها بعد.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com