البعد العالمي والإقليمي في خطابات قائد الثورة (قراءة تحليلية)
مد يد السلم إلى الجميع في حدود الندية ورفض الاستعباد والوصاية ومقاومتهما حتى إلى يوم القيامة
محمد الوريث:
يتجاوَزُ سماحةُ السَّيِّـد عبدالملك بدر الدين الحوثي، الحدودَ والجغرافيا في كُلّ خطاباته، متوجِّهاً إلى الأُفُق الأَوسَعَ، سواءٌ في الإقليم أَوْ العالم، مخاطباً كُلَّ مرحلة بما تقتضيه وفق العوامل المحيطة وضرورات صَون السيادة الـيَـمَـنية دون الإضرار بأحَد، ويلاحَظُ المتابع الحصيف لخطابات السَّيِّـد ومواقف القوى الثورية وعلى رأسها أنصار الله قبل شن العدوان الغاشم على الـيَـمَـن، الحرْصَ الكبيرَ على تأكيد سلمية نهجها وسلامة نواياها تجاه دول الجوار والعالم أجمع والتأكيد الدائم على أن يمنَ ما بعد ثورة 21 سبتمبر تطمَحُ إلى علاقات أخوية مع الجميع، ولكن في حدود الندية دون تسلط أَوْ استعباد من قبل أية دولة في العالم واحترام حق الـيَـمَـنيين في الاستقلال والسيادة على قرارهم الوطني والذي بدورة سينعكس إيجابياً على الجميع وخلق علاقات تعاوُن يستفيدُ منها الـيَـمَـن وكل الإقليم والعالم.
وقد أكد السَّيِّـدُ عبدُالملك أن الشعبَ الـيَـمَـنيَّ لا يتوجَّهُ إلى الخارج بالتوجه العدائي مع أيةِ دولة وفي كُلّ محيطه العربي والإسلامي أكثر من مرة، وليس لديه أي توجه لخلق حالة من المشاكل والصراعات والنزاعات على المستوى الدولي، سواءٌ مع مجلس الأمن أَوْ الأمم المتحدة أَوْ المجتمع الدولي.
كما توجَّه السَّيِّـدُ عبدُالملك في خطابات سابقة برسالة نصح قائلاً: “أتوجه بالنصح إلى المجتمع الخارجي سواءٌ على المجتمع العربي أَوْ على مستوى المجتمع الدولي بدلاً عن أن تشغلوا أنفسَكم ببيانات إدانة أَوْ مواقف سلبية يمكنُ أن تخسروا بها هذا الشعب الـيَـمَـني وهو شعبٌ مهم وكبير وعظيم، المفترض أن تتعقلوا وأن تتعاطوا إيجابياً تجاه بلد يتعاطى معكم بإيجابية”.
وأشار إلى أن “الشعب الـيَـمَـني يمد يد السلام ويمد يد الإخاء للجميع، وبالتالي يفترض أن تتعاطوا بكل إيجابية وأن تدركوا أن الحكمة هي في مراعاة هذا الشعب وليس في مراعاة بعض القوى السياسية التي ترى بالغلط مصلحتَها في الإضرار بهذا البلد والتآمر على هذا الشعب”.
وبالرغم من كُلّ هذه التأكيدات على مستوى الخطاب السياسي وحتى على مستوى التحرك الميداني، حيث لم يصدر عن الـيَـمَـن أي موقف يهدد أمن أية دولة أخرى، إلا أن العالم بزعامة أَمريكا لم تراعِ أياً من ذلك وعملت بكل إمكاناتها على عرقلة ثورة الشعب الـيَـمَـني والتصدي له وإثارة القلاقل والنعرات والفوضى في البلد قبل أن تصل إلى قناعة بفشل كُلّ أدواتها المحلية، ما اضطرها لشن عدوان عالمي غاشم على الـيَـمَـن أرضاً وإنْسَــاناً.
وقد فنّد قائدُ الثورة في وقت سابق كُلّ الذراع الواهية والحُجَج المزعومة التي يستخدمها العدوان اليوم كغطاء لقتل أَبْنَاء الشعب الـيَـمَـني ومحاولة استعباده واحتلال أرضه ونهب ثرواته، وتؤكد أطروحات قائد الثورة تجاة الخارج في مرحلة ما قبل العدوان ومرحلة ما بعد العدوان، أن هذا التحرك الظالم غير شرعي وغير مبرَّر بالبرهان الدامغ.
ومن منطلق أن هذا العدوان جاءَ لنزْع مخاوف وتهديدات بعض دول الجوار من ثورة 21 سبتمبر المجيدة على أمنها القومي، فقد أكّدَ في أكثر من خطاب له، السَّيِّـدُ عبدُالملك الحوثي على أهمية حُسْنِ الجوار وعدم التدخُّــل في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية، وأنَّ الشعبَ الـيَـمَـني يمُــدُّ يدَه للسلام والإخاء، ويطالبُ الدول بأن تتعاطى بإيجابية مع الـيَـمَـن وألا تتدخل في شؤونه الداخلية.
ويضيفُ السَّيِّـدُ أكَّدَ أن الثورة لا تستهدف أحداً ولن تُضر أي طرف دولي، وهنا يقول: “نحن أكَّدنا لكل القوى في الداخل والخارج أننا نسعى إلى تحقيق انتقال سلمي للسلطة على قاعدة الشراكة، ومرجعيتُه تكون وثيقة الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، وبالتالي ليس هناك في المسار الثوري الشعبي ما يبرر لأي طرف داخل أَوْ خارج أن يقلقَ أَوْ أن يتحرك باتجاه مضاد وسلبي لمواجهة هذا المسار الشعبي الثوري”.
أما في ما يتعلق بأن العدوانَ على الـيَـمَـن يأتي في سياق مواجهة النفوذ الايراني أَوْ غير الإيراني وما إلى ذلك من الأباطيل السمجة التي يروج لها العدوان، فكان لهذا البُعد حديثٌ لقائد الثورة يؤكد فيه “ونحن لا نلعب دوراً لصالح أحد، نحن لنا قضية أصيلة، نحن نقاتل رضا لله دفاعاً عن قيم عن أَخْلَاق عن مبادئ ومبادئ أَسَــاسية، عن حريتنا بكل ما تعنيه حريتنا”.
ورغمَ هشاشة وتناقض كُلّ ما يطرحه العدوان اليوم كعُذر لاستمرار إراقة الدم الـيَـمَـني وتدمير بُناه التحتية إلا أن قائد الثورة كان قد سبق وطمأن دول الجوار والعالم وتناول فلسفة الثورة في سياستها الخارجية بنحو شديد التفصيل مقيماً الحجة على كُلّ ادعاءات تبرر عدوان لا يعدو عن كونه مشروعاً أَمريكياً صهيونياً استعمارياً غُرضةً تفتيت الدول العربية وتدمير بُناها التحتيه واستهداف جيوشها ونهب ثرواتها.
ويؤكد السَّيِّـدُ عبدُالملك أن ثورة 21 سبتمبر هدفها الأساس أن يكون الـيَـمَـن بلداً مستقراً وليس منهاراً وخاضعاً (للقاعدة) بكل ما تمثله من خطورة على الأمن الدولي والإقليمي والمحلي وبالدرجة الأولى ما تمثله من خطورة على وطننا العربي وعلى مجتمعنا في العالم الإسْلَامي، مؤكداً أن الـيَـمَـنَ بثورته هو أقوى وهو أكثر انعتاقاً من هيمنة القاعدة.
ويظهر الحرص المتناهي لقيادة الثورة في تجنيب دول الجوار مهما كانت سيئة ومعادية لنهضة الـيَـمَـن واستقلاله واستقراره بأن لا تكون الـيَـمَـن مصدر خطورة على أحد، وعلى رأس مشاريع التهديد التي تستهدف العالم العربي والإسْلَامي اليوم شر “تنظيم القاعدة وداعش”، وتحركت الثورة بالفعل في هذا الاتجاه لتواجهه مخاطر محدقة أصالة عن نفسها وبالنيابة عن كُلّ دول الإقليم الذين لا يتوقفون لحظة عن تحشد التدخل الأجنبي وتشكيل التحالفات العالمية واستنزاف ثروات الأمة بحُجَّة مواجهة القاعدة.
ويقول السَّيِّـدُ في إحْـدَى خطاباته السابقة بأنه لا سمح اللهُ لو كانت القاعدة وهي المشروع الاستخباراتي الخارجي قد نجحت في الهيمنة على هذا البلد لجعلت القاعدة هذا البلد منطلقاً نحو بقية شعوب هذه المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، ولو تمكنت القاعدة من هذا البلد لجعلت هذا البلد وبدفع دولي حتى من بعض الدول، لتآمَرت حتى على الأشقاء في المملكة العربية السعودية وفي الخليج؛ لأن الخطر هو يتهدد الجميع، حتى الدول التي دعمت وساعدت في سوريا وفي العراق هي الآن عُرضةٌ لهذا الخطر، هذا الخطر الحقيقي على المنطقة بكلها.
ولا ينحصرُ خطابُ السَّيِّـد عن الـيَـمَـن كجُزء منفصل عن قضايا محيطة الإقليمي وأمته العربية والإسْلَامية ويتعاطى في كُلّ خطاباته على هذا الاساس وموقع الـيَـمَـن الجيوسياسي وتأثيراته على كُلّ من حوله في نهج سلمي أخوي صادق تجاه الجميع لا يطمح إلا لنماء وتطور ونهضة الدول العربية في مواجهة مشروع أَمريكي صهيوني لا يريدُ أن تقومَ لدولة قائمة في المنطقة.
كما لا ينسلخ الـيَـمَـنُ في أشد الضرورات وأعظم المعاناة التي يمر بها جراء عدوان أَمريكا وأدواتها الإقليمية في المنطقة وحصارها المطبق عن قضايا الأمة الرئيسية والأساس، ويعبر سماحة السَّيِّـد عن فلسطين كأولوية قصوى لكل العرب لا تبدلها الأحداث، ولا تقلل من شأنها المؤامرات التي تعصف بكل بلد على حدة، بالذات البلدان التي لها موقف ثابت وقوي من القضية الفلسطينية.
ويقول السَّيِّـدُ في خطابه بذكرى المولد النبوي الشريف لهذا العام “نؤكد على موقفنا الثابت المبدئي والديني والإنْـسَـاني والأَخْلَاقي في التضامُن مع شعب فلسطين المظلوم وحقه في الحُريّة والاستقلال واستعادة كامل أرضه واستعادة مقدسات الأُمَّــة وعلى رأسها الأقصى الشريف، واعتبار العدو الإسرائيلي الغاصب لفلسطين عدواً لكل الأُمَّــة وخطراً على الأمن والاستقرار في العالم أجمع، واعتبار كُلّ أشكال التطبيع للعلاقات معه من كافة الأنظمةِ المحسوبة على المسلمين خيانةً ونفاقاً بكل ما تعنيه الكلمة، ووفق المصطلح القُــرْآني، وشراكة معه في كُلّ جرائمه”.
ويأتي هذا الحديث في توقيت بالغ الأهمية في ظل حملات التطبيع والتلميع مع إسرائيل التي تقودها دول عربية وإسلامية ومحاولات أَمريكا حرف مسار العداء العربي الإسْلَامي باتجاه بعضها البعض بخلق الفتن الطائفية وتصوير أن الخطر قادم من إيْرَان لا من إسرائيل.
كما يؤكد السَّيِّـد فيما يتصل بخطاب الثورة العالمي الذي يمثل روحية المسيرة القرآنية وأساس منطلقها على ضرورة تحرك “شعوبَ أمتنا كافة والتحلي باليقظة والتَحَـرّك الجاد والمسؤول تجاه المؤامرات الأَمريكية والإسرائيلية التي تستهدفُ الجميعَ بلا استثناء من خلال أدواتها العملية وأياديها الإجْــرَامية المتمثلة ببعض الحكومات، وفي مقدمتها النظام السعودي وَالجماعات التكفيرية التي تتَحَـرّك ضمن مشروع هدام وتدميري؛ بهدف تفكيك كُلّ مكونات الأُمَّــة والوصول بها إلَى الانهيار التام والخضوع المطلق لأَمريكا وإسرائيل وتشويه الإسْــلَام والرَّسُــوْل والقُــرْآن في المنطقة وفي أُورُوبا وفي سائر العالم”.
ويُحْرِجُ هذا الخطابُ الأُمميُّ العالمي لثورة الشعب الـيَـمَـني وعلى لسان قائدها كُلّ زعامات العرب الذين اصطفوا بمنتهى الصراحة إلى جوار العدو الأزلي للأمة، كما يؤكد على الحرص البالغ الذي توليه قيادة الثورة لحمل مشروع على مستوى الأمة كلها وليس دولة دون أخرى يمثل دور الإنْسَــان في الاستخلاف في الأرض كما جاء به الدين الحنيف في صورة تظهر أسمى معالم التسامي عن الجراح وتوجيه الجهد كله صوب الهدف الأعم والأشمل.
ولو تمعن الطرفُ الآخرُ لرسائل السَّيِّـدِ عبدِالملك بدر الدين الحوثي في أغلب خطاباته تجاه الدول العربية والإسلامية لوجد فيها دعواتٍ للتسامح والأُخوَّة والاحترام المتبادل، لكن السعودية وأدواتها عملت على تحريفِ الحقيقة وتصوير ثورة الشعب الـيَـمَـني على العكس تماماً.
ويؤكد على بُطلان كُلّ الادعاءات المزيفة من الدفاع عن شرعية أَوْ حماية مقدَّسات إسْلَامية إلى مواجهة النفوذ الإيْرَاني ليبدو العدوان اليوم عارياً منكشفاً أَمَــام الجميع، وأن هذا العدوان، إنما جاء ليستعبدَ شعبَ الـيَـمَـن ويعيده تحت الوصاية والهيمنة من دول، لطالما اعتبرت الـيَـمَـن حقاً حصرياً لها كالسعودية، خَاصَّــةً أن ثورة 21 سبتمبر المجيدة قد خلّصت الـيَـمَـن بالفعل من هيمنة ووصاية أَمريكا والسعودية، واتّجهت نحوَ بناء الدولة المدنية العادلة التي تتعامَلُ مع الدول الأخرى على أساس الاحترام المتبادَل والعلاقات الندية، وهو ما لا يمكن أن تسمح به أَمريكا، لذا تحرَّكت السعودية كأداة إقليمية لمشروع قوى الاستكبار العالمي بكل ثقلها لإجهاض هذا المشروع الجديد والقضاء عليه في مهده قبل أن يترسخَ في الأرض ويخرُجَ عن طور أمرها وهو ما ترفُضُه تماماً.
ولكن صمودَ وثبات وتضحيات الشعب الـيَـمَـني كانت لهم بالمرصاد وستظلُّ الـيَـمَـن حصينة ومنيعة ومقاومة في وجه هذا المشروع حتى إلى يوم القيامة كما صرح قائد الثورة الـيَـمَـنية المجيدة في آخر خطاب له.