هذا رأس ملك خان وطنه
عباس الديلمي
لفت نظري ما أقدم عليه البعض بتلفظهم ما أسمي بنظرية الحق الإلهي في الملك ووظفوها – لأغراض سياسية- وتقديمها كفكرة أو نظرية سلالية أو مذهبية مع أنها فكرة قديمة قدم المرض الاجتماعي الخبيث الناتج عن توظيف الدين لخدمة السياسة وخاصة في العالمين الإسلامي والمسيحي.. إذ يحظئ من يعيد جذرها إلى أوروبا المسيحية في القرون الوسطى ودور الكنيسة في ذلك؛ فما نراه جليا أن جذورها ومنشأها إسلامي، كما هو واضح في ما قعّد وشرعن له فقهاء بعض المذاهب.. بخصوص “وجوب طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه” إبان الدولة الأموية، ومؤسسها معاوية بن أبى سفيان الذي نجح إلى اليوم في تقسيم المسلمين إلى سنة وشيعة.. ولهذا مبحث آخر إن دعت الحاجة إلى توضيحه أكثر..
إن فكرة أو نظرية “الحق الإلهي” في الملك لا صلة لها بما هو سلالي كما يروح البعض، بل من نتائج تسخير الدين للسياسة أو لخدمة تسلط وهيمنة الملوك فهي عند من يقول بها من المسلمين إلى عصرنا هذا “وجوب طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه” وإن ظلم وإن فسق وإن زنى وشرب الخمر ما لم يظهر كفراً بواحاً” وهي عند كنيسة القرون الوسطى “طاعة الملك وجعله فوق كل اعتبار وهو صاحب قداسة نزهته عن الخطأ وجعلته ظل الله في أرضه، وقد وجبت طاعته وعدم الاعتراض على ما يأتي منه”.
قد يتساءل البعض عن الشواهد على ذلك، فنختصر الإجابة بالقول:
تلك هي الوهابية في مملكة بني سعود، وتلك هي فتاوى شيوخها عن وجوب طاعة ولي الأمر وتحريم الخروج عليه أو معارضته، دون أن يدعي بنو سعود تميزا عرقيا أو قداسة سلالية. بل يتشددون إلى الحق في ملك انتزع بالقتل والفتك، بجد السيف وخاصة في مملكتهم أو دولتهم الثالثة التي يجعلون (السيف الأجرب) شعارا لها وهنا نجدها مناسبة للمقارنة بين وجوب الطاعة في هذه المملكة ونظيرتها في أوروبا المسيحية المسماة بنظرية الحق الإلاهي ولنأخذ أحد ملوك بريطانيا وهو الملك شارل الأول في القرن السابع عشر الميلادي.
تسلم هذا الملك عرش بريطانيا من جيمس الأول ومعها أحقيته في الحق الإلاهي التي جعلته لا يعير للشعب ولا برلمانه وزنا وساءت علاقته بهما إلى أن تفجر الوضع أو طفح الكيل عندما أقدم على فرض ضرائب على الشعب حددها هو ولم يلجأ إلى البرلمان لإقرارها بل كان رده على البرلمان عند سؤاله عن ذلك في غاية الصلف إلى أن قال لأعضائه من أنتم وما يكون مجلسكم هذا وما تكون السلطة التي تزعمون أنها لكم” ولم يتوقف هذا الملك شارل عند هذا الحد بل انطلق من حقه الإلاهي في الحكم كما يشاء كما يقول كتاب “نيجان تهاون” بإثقال كاهل الشعب بالمزيد من الضرائب واستخراج الأموال من خزائن الأغنياء وجيوب الناس بألوان من الحيل وصنوف القرارات المخادعة وأصدر من التشريعات ما تبيح له مصادرة الأموال واعتقال من يراه بغير حساب حتى لم يعد الفرد يأمن على نفسه السجن أو على ماله المصادرة كما أعلن بمفرده الحرب على اسكوتلانده ( كما فعل بن سلمان في إعلان حربه على اليمن ومصادرة أموال من سجنهم).
وهكذا صار الحال إلى أن قامت ضده ثورة شعبية بقيادة (كرمويل) ونجمت حرب أهلية فتدخل الجيش وألقى القبض عليه وعندما طرح موضوع محاكمته على البرلمان تردد البعض لأنهم يعرفون أن نتيجتها إعدامه وهذا ما قد يحدث ردود فعل شعبية وإن من قبل من يعتقدون بحقه الإلاهي في الحكم والقداسة وهنا تدخل قائد الثورة الشعبية (كرمويل) وقال:
“لا تخشوا شيئاً, فلن يأتي أحد بحركة, ولن تهمس شفة باعتراض.., بجرم الخيانة العظمى سنحز رأس الملك والتاج على مفرقه والناس صموت”
وفعلا أعدم الملك شارل الأول والناس صموت ..ولم يرتفع الاّ صوت مساعد الجلاد الذي أخذ الرأس المقطوع وهو يصيح “هذا رأس ملك خان وطنه ”
وهكذا نجد أن المنبع واحد لخدمة الملوك (بعدم الخروج ووجوب الطاعة) أو (نظرية الحق إلإلاهي ) كما نجد من العبر التي تشير إلى أن التاريخ قد يعيد نفسه