“حياة الماعز”: عن الوجه الحقيقي للسعودية
ليلى عماشا
“حياة الماعز” فيلم هندي يروي قصّة حقيقية لرجل هندي عاش في السعودية، بعد أن خطفه واستعبده سعوديّ ادّعى أنّه كفيله. فتح الفيلم أبواب الكشف عن بعض ما يستميت النظام السعودي في محاولة إخفائه عن العيون ولا سيّما الغربية التي يتمنى أن تهبه شهادات بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، على اعتبار أنّها مثال يُحتذى في ذلك! وكذلك فتح باب التذكير بالعديد من القصص المروّعة التي جرت وتجري داخل أروقة السعودية: من قصص احتجاز القاصرين وسجنهم بدون محاكمات ثم إنزال أحكام الإعدام فيهم، والتمنّع عن تسليم جثامينهم لذويهم، والشواهد كثيرة، إلى قصص الاستعباد تحت عنوان “نظام الكفالة” الذي تم إلغاؤه مؤخرًا، تحت ضغط الفضائح المتلاحقة التي حامت حوله، بدون الوصول إلى أيّ صيغة قانونية تحفظ حياة وحقوق العمال الأجانب في المملكة.
بالعودة إلى “حياة الماعز”، الفيلم الذي يحقق أعلى نسب المشاهدات حول العالم، تحاول السعودية منع مشاهدته بشتى الطرق، ليس فقط بدافع الخوف على صورتها التي يحاول ولي العهد محمد بن سلمان تلميعها بما يتناسب مع ما يسميه “رؤية ٢٠٣٠”، بل أيضًا بهدف منع “دومينو” الانكشافات التي قد تكون بدأت بفيلم يعالح مسألة ظاهرها حقوقيّ، وقد تصل إلى فضائح من العيار الثقيل على المستوى الإنساني والأخلاقي والسياسي.
يقول المتابعون، إنّ “حياة الماعز” كشف القليل من الوجه الحقيقي للسعودية: استعباد واستقواء واستكبار يشمل معظم العمال والوافدين الأجانب بشكل مروّع: مجزرة على سبيل المثال بحق مهاجرين أفارقة، تحدث من نجا منها عن وحشية لا توصف مارسها الجنود السعوديون بحقّهم، وتراوحت أساليب القتل فيها بين ضرب تجمعات المهاجرين بقذائف الهاون ثم دفن الجثث في مقابر جماعية، أو صعق الغرف التي يتم اعتقال الأحياء منهم بداخلها بالكهرباء. مهاجرون وعمال يمنيون عانوا الأمرّين بعد إجبارهم على العمل طوال سنين بدون أجر وتحت التهديد. عمال آسيويون تعرّضوا على مدار سنوات لمختلف صنوف الظلم وهدر الحقوق. أضف إلى كلّ ذلك، ما يتسرّب إلى الإعلام مرارًا عن اضطهاد أبناء الأقليات الدينية في المملكة والذين لهم النصيب الأكبر من قائمة الاعتقال والإعدامات الاعتباطية.
كلّ هذا، على ما يبدو، يكمن خلف اللثام الحضاري الذي يحاول بن سلمان لفّ وجه النظام السعودي به، حرصًا منه على رسم صورة مختلفة يرضى بها الغرب بشكل خاص. اللافت في الأمر أن المساعي السعودية للحصول على صورة توحي بالحضارة وباحترام حقوق الإنسان التي تحاضر بعفتها في مجال الأمم اقترنت بإنشاء هيئة ترفيه ارتكبت العديد من الممارسات المستهجنة وشرّعت كلّ ما لا يمتّ إلى النظام الإسلامي بصلة على سبيل محاباة الغرب، لكنها رغم ذلك لم تنجح رغم كل ما أنفقته في تلميع صورة المملكة.
في الحقيقة، لا يختلف الوجه الحقيقي للسعودية والذي سبقت فضائحه “حياة الماعز” عن الوجه الحقيقي لما يُسمى بالحضارة الغربية التي ترفع شعارات حقوق الإنسان وتبشّر بها من جهة ومن جهة أخرى ترتكب أفظع الجرائم بحق المستضعفين. لكنّ الفارق هو في استطاعة الغرب تمويه ارتكاباته وجرائمه على الأقل أمام شعبه، فيما يعجز النظام السعودي عن ذلك رغم مساعيه المتفرقة بهذا الصدد.. وما موجة الغضب السعودي التي أثارها الفيلم الهندي سوى لحظة إدراك سعوديّة لحجم الفضائح التي قد تُكشف وتحرج المملكة في الوقت الذي ظنّت فيه أن باستطاعة الحفلات الصاخبة والتطبيع مع الشذوذ والانحدار الأخلاقي المشهود حجز مكان لها في عالم التحضّر.
وإن كان الفيلم يفضح جانبًا مظلمًا من وجه السعودية، فقد تكفّلت منصات التواصل بفضح جوانب أخرى في إطار المناقشات الافتراضية التي جرت على هامش موضوع “حياة الماعز”.. وبعد، الأخلاق لا تتجزّأ، وكذلك الإنسانية والالتزام بالقيم، لذلك، ليس غريبًا أن تكون السياسة السعودية متماهية تمامًا مع الانحدار الأخلاقي والقيمي ومع الممارسات الظالمة منذ سنين بحقّ الوافدين الأجانب. بكلام آخر، ليس غريبًا أن تقف السعودية ضدّ فلسطين، وألّا يؤرقها الدم المسفوك في غزّة.