تقارير

استقالة غانتس وآيزنكوت من حكومة الحرب.. ماذا ينتظر نتنياهو؟

أثارت استقالة بيني غانتس وغادي آيزنكوت من “كابينت الحرب”، حالةً من عدم اليقين بشأن مستقبل حكومة نتنياهو، وانعكاس هذا الحدث على حرب غزة، وما إن كانت ستضطر “إسرائيل” للذهاب إلى انتخابات مبكرة.

حالة من الإرباك تعيشها الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بعد موجة الاستقالات الأخيرة، التي حصلت داخل الكيان الإسرائيلي،حيث أعلن يوم أمس، بيني غانتس وغادي آيزنكوت استقالتهما من حكومة الحرب، بكلمات وانتقادات وجّهها الوزيران إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

واتهم غانتس وآيزنكوت، الشريكان في حزب “معسكر الدولة” (12 نائباً من أصل 120 بالكنيست)، نتنياهو باتباع سياسات تخدم مصالحه السياسية الخاصة، كما اتهماه بالفشل في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب على غزة، ولا سيما القضاء على حركة “حماس” وإعادة الأسرى من القطاع. وهذا ما وصفه محللون إسرائيليون بـ”الهزيمة العلنية” لـ”إسرائيل” في قطاع غزة.

الجدير ذكره أنّ غانتس وآيزنكوت انضمّا إلى حكومة نتنياهو في إثر اندلاع الحرب على غزة، وباتت تُسمّى “حكومة الطوارئ”، وعلى إثرها جرى تشكيل حكومة أو مجلس الحرب المصغّر.

وأمهل غانتس، في 19 أيار/مايو الماضي، نتنياهو حتى 8 حزيران/يونيو الجاري، لوضع استراتيجية واضحة للحرب على غزة وما بعدها، وإلا فإنه سيستقيل من الحكومة، وهو ما لم يحدث.

انقسام داخلي إسرائيلي

ومع فشل “جيش” الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة من الحرب، برزت الخلافات العميقة بين المستويين السياسي والعسكري، بشأن اليوم التالي للحرب، وذلك وسط تزايد الضغوط من جانب المستوطنين والمجتمع الدولي أيضاً، بوقف الحرب وإطاحة حكومة نتنياهو واستبدالها، واستعادة الأسرى بصفقة تبادل.

وترافق قرار الاستقالات مع موجة انتقادات داخلية إسرائيلية، مؤيدة وداعمة له من جهة، وأخرى منددة به، حيث اعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ هذه الاستقالات من شأنها أن “تقلب الطاولة على رأس نتنياهو”، وأخرى وصفتها بأنها بمثابة “الفتيل الذي سيشعل الأزمة الداخلية”.

كذلك، بيّنت قناة “كان” الإسرائيلية أنّ التوترات لا تنحصر داخل المستوى السياسي لدى الاحتلال، وإنّما تتشكّل بين المستوى السياسي والمستوى العسكري من جهة، وبين طاقم المفاوضات والمستوى السياسي الذي يتخذ القرارات من جهة أخرى.

 

نتنياهو “فضّل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش لضمان كرسيّه ومنصبه، على ضمان أمن إسرائيل”، في إشارة إلى غانتس وآيزنكوت، وهو ما صرّح به معلّق الشؤون السياسية في “القناة 12”. واعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ الانسحاب من الحكومة يمثّل “انفراجة” لبن غفير، وسموتريتش.

“التخبّط” الإسرائيلي الداخلي عكسه استطلاع الرأي الذي أجراه معهد إسرائيلي مطلع أيار/مايو الماضي، حيث رأى أنّ 63% يعتبرون أنّ التهديد الأكبر لمستقبل “إسرائيل” ينبع من الانقسام الداخلي.

مصير حكومة نتنياهو

تسبّبت هذه الاستقالات بحالةٍ من عدم اليقين بشأن مستقبل حكومة الاحتلال، وانعكاسها على حرب غزة، وما إن كانت ستضطر “إسرائيل” للذهاب لانتخابات مبكرة. فما هو مصير حكومة نتنياهو؟

من المتوقّع، بحسب الكاتب والباحث في الشؤون الإسرائيلية، محمد هلسة، أنّ يقوم نتنياهو بحلّ كابينت الحرب، حيث فقد الأغلبية بعد خروج غانتس وآيزنكوت، ولم يبقَ في مجلس الحرب سواه هو وغالانت.

وليس من المرجّح أن يدخل نتنياهو، وفق هلسة، بن غفير وسموتيتش إلى مجلس الحرب، أولاً، لأنهما ممثّلان في الحكومة الموسّعة، وأيضاً لديه الكابينت الأمني – السياسي المصغّر، وهما ممثّلان فيه.

كما أضاف أنّ كابينت الحرب كان مناطاً به فقط وضع استراتيجية القتال والحرب، ولم يكن، وفق التفويض الذي أسند إليه والاتفاق مع بن غفير وسموترتش، له صلاحية سياسية لإقرار خطط وبرامج سياسية.

وبالتالي يجنّب نتنياهو نفسه بعدم إدخالهما وحلّ مجلس الحرب، الحرج مع الداخل الإسرائيلي ومع الولايات المتحدة.

 

ومع ازدياد الانتقادات لشركائه في اليمين، وفقاً لهلسة، سيحتفظ نتنياهو بالصورة القائمة من دون إدخال هؤلاء إلى كابينت الحرب.

وأضاف أنه من المتوقّع، أن يزداد تأثيرهما على المشهد السياسي، كما سيقفزان خطوة إلى الأمام في التأثير في استراتيجية القتال والحرب.

وبحسب هلسة، آيزنكوت وغانتس لم يعودا قادرين على التأثير على نتنياهو، ومنع اندفاعه هو الذي دفعهما إلى الخروج.

وأكد أنّ نتنياهو شخصياً ليس بحاجة لأحد “ليبتزّه أو يدفعه إلى هذا المسار، لأنه يريد الاستمرار إلى ما لا نهاية، وربما كان يستخدم فزّاعة اليمين وأصوات اليمين لتوظيفها على صعيد الداخل الإسرائيلي، وعلى صعيد الشراكة مع الولايات المتحدة، لإظهار أنه ليس صوتاً منفرداً في الداخل وبأنه لديه يمين يكبّله و يقيّد حركته”.

وهذا ما ظهر في المحاولة الأخيرة للذهاب إلى مسار الصفقة، بحسب هلسة، حيث هدّد بحلّ الحكومة وبدا واضحاً بعد استقالة غانتس، بأنّ هذا الأمر لم يكن إلّا مصطنعاً بالتنسيق مع نتنياهو.

وبأن هذا الأخير لم تكن لديه النية أصلاً وفق ما قاله غانتس، للذهاب إلى هذا المسار، ولو كان ينوي نتنياهو فعلاً الذهاب إلى مسار صفقة، لما خرج غانتس وترك لنتنياهو أن يستأثر بالفضل بالإفراج عنهم من خلال صفقة.

اصطفافات سياسية جديدة في المعارضة

بحسب هلسة، فإنّ مسار الأمور ذاهب إلى اصطفافات سياسية جديدة في مشهد المعارضة، أي تولّي غانتس قيادة المعارضة بما أنه صاحب الأصوات الأعلى بعد حزب الليكود، وربما يلتحق بالتشكيلة التي رتّبها ليبرمان ولابيد ويضعان هدف إسقاط حكومة نتنياهو والتعجيل في إجراء انتخابات مبكرة.

بالإضافة إلى ذلك، هناك حراك واسع في الشارع الإسرائيلي، بعد خروج غانتس، بحسب هلسة. وأضاف أنّ خروجه، هو سقوط القشة الأخيرة التي كانت تستر عورة نتنياهو على مدى ثمانية أشهر ومنحته الشرعية في الداخل الإسرائيلي، وأمام الولايات المتحدة  وحلفائها الغربيين.

يشار إلى أنّ غياب غانتس الآن، سيكشف ظهر نتنياهو ويتركه للانتقادات في الداخل وأمام الغرب أيضاً.

وحتى بايدن شخصياً، وفقاً له، خرج في أكثر من مناسبة، وهو ينتقد نتنياهو وسبموتريتش بالاسم، “ولديهما عقدة من هذا اليمين العدمي الذي يهوى إشعال النيران ولا يتعاطى بشكل إيجابي مع رؤية الولايات المتحدة وترتيباتها فيما يخص غزة بعد الحرب وترتيبات التطبيع وغيرها من القضايا”، وفق هلسة.

لذلك تودّ الولايات المتحدة الأميركية، وفقاً للباحث، أن ترى غياب هؤلاء عن المشهد، وإقصاء نتنياهو، يقتضي محاولة توظيف تحوّلات الداخل الإسرائيلي والرهان على غانتس.

وأضاف أنّ الولايات المتحدة، ستلقي ثقلها على هذا الأمر، وسيشهد الداخل الإسرائيلي حراكاً يتعاظم.

وإذا وصل هذا الحراك إلى درجات الضغط الكبير على نتنياهو وحشره في الزاوية، بحسب الباحث، يمكن الرهان على أنه قد يرتدع ويقبل بالذهاب إلى الصفقة. وهذا خيار مقدّم على خيار حلّ الحكومة، وسيذهب إليه حينما تضيق الحلقة حوله.

غالانت في خصومة وعداوة بينه وبين نتنياهو، وقد أقاله بسبب معارضته للتعديلات القضائية، وهو يشعر ربما أن الرجل قد يفعل مثل هذه المعاندة مرةً أخرى.

ومن المتوقّع أن يصطدم نتنياهو مع غالانت، وأن يقيله ربما. ووفقاً لهلسة، فإنّ خروج غالانت سيشكّل ضربة جديدة لنتنياهو.

 

في الصورة العامة، سيبقى نتنياهو مع هذا الائتلاف. ونشوة الانتصار التي يحاول توظيفها بعد عملية النصيرات واستعادة بعض الأسرى، هي نشوة طارئة زالت ربما بعد خروج المقاومة وحديثها عن قتل بعض الأسرى، خاصةً وأنّ المقاومة أعلنت عن أسماء القتلى، وتبيّن أنهم قتلوا أثناء المواجهات.

هذا التطوّر سيجعل هذه النشوة ترتدّ على نتنياهو، وسنشهد تعاظم حراك أهالي الأسرى، وتعاظم الحراك السياسي المطالب بإجراء انتخابات مبكرة في الداخل الإسرائيلي، مع وجود غانتس في صفوف المعارضة. كما سنشهد اصطفافات سياسية متسارعة في الأيام المقبلة.

 

 

الميادين/ فاطمة فتوني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com