عن العلامة الشامل عبدالسلام عباس الوجيه في يوم رحيله ..

أ. لطف قشاشة
تقريبا ان لم تخني الذاكرة كانت اول معرفة لي بالعلامة عبدالسلام عباس الوجيه نهاية عام 1989 خلال تواجده في حلقة علم داخل مسجد الفليحي بصنعاء القديمة حينها كانت بدايات ارتباط المجتمع بحلقات العلم الشرعي تظهر للعلن بصورة منتظمة ومنظمة تبناها مجموعة من ناشطي الزيدية مرتادي الجامع الكبير المقدس ودار العلوم بعد ان كانت قد غابت عن الساحة الا بشكل فردي من قبل بعض علمائها ..
كان يدير هذه الحلقة العلامة علي احمد الشامي المهم قامت الوحدة عام 90 م وبدأت الامور تنتظم في التدريس في الجامع الكبير المقدس والنهرين والفليحي وغيرها في خطوات تصاعدية رتبها مجموعة من الاساتذة كونوا ادارة النشاط العلمي في الجامع الكبير وما تفرع منه فبدأت الدورات الصيفية وتوزيع المدرسين على الارياف وانشاء صندوق لدعم طلاب العلم والمرحوم عبدالسلام عباس الوجيه حاضرا في التدريس والادارة كما انه كان حاضرا في الصحافة والسياسة عبر صحيفة الامة وغيرها وحزب الحق ويوما بعد يوم ازدادت متابعة نشاط هذا الرجل وكان يتميز بكارزما وجاذبية تجعله حاضرا ولافتا للنظر بمواقفه واطروحاته وكتاباته والتي تميزت بعضها بروح الفكاهة السياسية حين كان يكتب عموده ( صدى الامة ) في صحيفة الامة وحين كان يقود جبهة التوضيح والردود ومقارعة الفكر المستورد عبر صحيفة الوحدة الرسمية وغيرها وكيف ساهم في دفع شبهات المتقولين على الزيدية من كتاب الاخوان ( الاصلاح ) الى جانب نشاطه السياسي في حزب الحق والذي يعرف الجميع كيف كانت نظرة النظام ( الحاكم ) لهذا الحزب ولاتحاد القوى الشعبية ..
نشاطة الصحفي والسياسي رفع من رصيده الشعبي وكثر محبوه ومتابعوه ومؤيدوه ومثل في تسعينات القرن الماضي رقما بين الكبار فخافت منه السلطة وعارضته وضايقته ونعلم حجم المؤامرات والبلطجة التي كان ينتهجها نظام صالح وحلفائه الاصلاح حينها ضد خصومهم الا ان قوة العلامة عبدالسلام الوجيه وصدقه ووقوفه مع جميع القضايا الوطنية المحقة شكلت سياجا منيعا له عجزت السلطة من تهميش او الغاء دوره الرائد في الشأن العام رغم ما تعرض له من مضايقات بعضها وصل حد محاولات التصفية الجسدية ..
ظل المرحوم عبدالسلام الوجيه ثابتا شجاعا ذا حضور ايجابي يتنامى يوما بعد يوم وفي كل مرحلة كان يختار لنفسه الجبهة المناسبة لينشط اكثر فيها تارة مدرسا وناشطا في ادارة النشاط العلمي في الجامع الكبير اوفروعه عندما كانت الكوادر نادرة وقليلة ما يلبث ان ينتقل للعمل السياسي عندما كان هناك هامشا للتعددية الحزبية ومن خلالها ينجح مع رفقائه في حزب الحق في تقوية صف المعارضة المقلقة للنظام والتي تلجأ الى بذل كل طاقات السلطة وامكانياتها للقضاء على هذا النجاح الحزبي والسياسي وعندما رأى حجم هامش الحرية الصحفية وكيف استغلتها الاقلام المأجورة من اصحاب الفكر الوهابي الضال المستورد في تزييف حقائق الهوية والانتماء المذهبي المتسامح لليمنيين فاذا به يغير من تموضع اولوياته فينشط كثيرا في دحض شبههم واراجيفهم ما جعل من قلمه منبرا حيا لنشر الوعي الفكري والديني في اوساط المجتمع وحجم حضور الفكر المناوئ للهوية اليمانية وهو ما وسع من دائرة الحاضن الاجتماعي الرافض للفكر المستورد الضال ..
حضور السيد العلامة عبدالسلام الوجيه في المجالات التي ذكرناها وتنقله من خندق الى خندق ونجاحه في كل خندق هي التي اثمرت حاضنة شعبية واسعة علمية حين توسعت الحركة العلمية الزيدية ووسعت معها حضور الشافعية والصوفية في مناطقها وافشلت مشروع تدجين اليمنيين للفكر الوهابي الذي خرج من عبائته القاعدة وداعش هذا في الجانب الديني والهوية الايمانية ونجاحه السياسي سارع في تفتيت منظومة القوى السياسية ( المؤتمر والاصلاح ) التي انتجتها احداث 1962 م المرتهن للسعودية ومن ورائها امريكا ونجاحه في خندق الكلمة والنشر ساهم في بروز اقلام ثورية شجاعة خرجت وتعلمت من مدرسته وكان لها دور في فضح المنظومة الفاسدة وتعريتها امام الرائ العام وسقوط الاقنعة التي كانت تجملها امامه ..
السيد العلامة عبدالسلام الوجيه رحمه الله حين كان يتنقل في خنادق النضال كان في تنقله يحرص الا يقطع ارتباطه ببقية الخنادق كاولويات التنقل تلك فكان رحمه الله حاضرا متابعا لجميع خنادقه عندما كان لحضوره اهمية ووقت الحاجة الى حضوره وهذا يشهد به جميع من عرفه وتابع حركته الدؤبة ونشاطه اامتنوع ..
بعد ان شعر السيد العلامة عبدالسلام الوجيه رحمه الله انه قد اسس مع الاخرين من ابناء جيله واهتماماته حاضنة علمية وفكرية وسياسية واسعة تراجع عن تصدر المشهد ليترك لثمرته مواصلة القيادة وبعد ان اطمئن على خنادقه المتعدده بانها قد صارت بايدي تحمل نفس قوته واهتماماته وحركته عاد للتحقيق والتاليف واثراء المكتبة بالمراجع والعناوين بعد ان اخذت اولويات مرحلة التعليم والسياسة والكلمة اكثر اهتماماته وقصر مع مهمته في التحقيق والتاليف عاد اليها وكعادته في النجاح والتاثير اخرج الجم الكثير من العناوين الكبيرة تارة بنفسه واخرى بدعمه للاخرين المهم انه كان ناجحا ومؤثرا ..
ما سردته في السطور السابقة كان من خلال مشاهدة ومتابعة وحضور وتاثر شخصي مني لجميع انشطة ونجاحات المرحوم عبدالسلام عباس الوجيه رحمه الله ولم يكن من نسيج خيالي او نقلا من افواه وروايات الغير لذلك فانا اكن له الشخص العظيم كل الاحترام واحفظ له جميل ما استفدت من نشاطاته المتنوعة فكلها عايشتها عن قرب في اغلبها ان لم يكن فيها جميعا ..
ما نقلته في سطوري السابقة وما اكدته وكررته من ان دور السيد العلامة عبدالسلام الوجيه رحمه الله وتاثيره ليس من باب المبالغة فقد بانت بركات تاثيره اليوم وبتنا نعيشها واقعا ملموسا فلم يعد لحلفاء 1962 م السياسي والفكري حضورا بعد نجاح ثورة 2014 م المباركة والتي قضت على هيمنة جارة السوء السعودية وامريكا وللتوضيح اكثر وبعيدا عن التفاصيل فنشاط المرحوم كان نشاطا تصاعديا بدأه مع قلة من الناشطين الغيورين على بلادهم وهويتهم واستطاعوا بفضل الله وتفانيهم وايمانهم من تفكيك منظومة الفساد العتيقة في اليمن رغم ما قدمت خلالها من تضحيات وبالتاكيد ان مسيرة الشهيد القائد الحسين الحو the ي رضوان الله عليه ونجاحها وثمرتها المباركة جاءت بعد ان هيأت جهود الاوائل لنجاحها ومنها جهود السيد العلامة عبدالسلام الوجيه رحمه الله واقرانه وهي جهود رافقها وعاش جميع تفاصيلها الشهيد القائد رضوان الله عليه وكان يهيئ من خلال تفاعلاتها ونجاحها او اخفقاتها معالم مشروعه القرآني الذي نعيش ثماره وبركته اليوم وهذا معلوم ويشهد به جميع من عاصر تلك المرحلة بتفاصيلها وكان جزءا من تفاعلاتها وتاثيراتها ..
بعد كل ما قدمته لم يبق لي في هذه السطور الا ان اعرج باختصار على بعض جوانب اساسية من شخصية المرحوم عبدالسلام الوجيه امين عام رابطة علماء اليمن آخر خنادقه الناجحة والمؤثرة والتي لازمته حتى وفاته ولم تغيرها السنين وهي مزية الصدق مع القيادة فقد كان لسان صدق ومن اشد الحريصين على ايصال قول الحق وتوضيح الاختلالات التي رافقت مسيرة المجاهدين والقيادة المؤمنة من باب صدق الانتماء للمسيرة والتسليم للقيادة والحرص عليها لذلك فقد فقدنا برحيله شخصية قل نظيرها شابهت اباذر الغفاري في قوة المنطق وقول الحق وصدق الانتماء الى منهج الحق والمحقين .
رحم الله سيدي العلامة والاديب والمحقق والشاعر والانسان والشامل في اهتماماته عبدالسلام عباس الوجيه رحمة الابرار وانا لله وانا اليه راجعون ..