العرض في السلايدرمقالات

اليمن متحف عسكري لخردة الذكاء الأمريكي .. بقلم / محمد محمد السادة

21 سبتمبر || مقالات …

كان الاعتقاد السائد لدى كبار الخبراء والمحللين العسكريين في بداية العدوان على اليمن أن قدرات الجيش واللجان الشعبية لن تتجاوز حدود معركة برية خاطفة، لاسيما وأن المخطط الخارجي المدروس والتدريجي لتفكيك الجيش وتدمير قدرات اليمن العسكرية قد نجح بالتواطؤ مع عدد من القيادات العسكرية للنظام السابق للخائن صالح، حيث أشرف فريق ضباط أمريكي برئاسة مدير مكتب إزالة الأسلحة بوزارة الخارجية الأمريكية على عملية تفكيك وتعطيل وتدمير جزء كبير من صواريخ الدفاع الجوي المتنوعة مثل صواريخ “سام” و”أستريلا”، وتزامن ذلك مع حوادث سقوط الطائرات الحربية، حيث سقطت أكثر من 12 طائرة خلال ثلاث سنوات (2011-2013)، وكانت نتيجة التحقيقات في كل تلك الحوادث أن السبب خلل فني وأن الطائرات روسية وقديمة. أضف إلى ذلك أن الضربات الجوية الاستباقية التي دشن بها التحالف عدوانه بقيادة السعودية تمكنت من تدمير العديد من الأهداف العسكرية.
رغم كل ذلك أثبت الجيش واللجان الشعبية فشل كل تلك التحليلات والتوقعات، بل وقدمت الدروس التي تفوقت على القواعد والنظريات العسكرية، وقدموا مقاتلاً له عقيدة قتالية تتسم بالثبات وعدم الخضوع لإملاءات القوة العسكرية، ولها ضوابط وقيم دينية وإنسانية وأخلاقية. كما سطر الشعب اليمني الأصيل نموذجاً فريداً في الصمود وبرهن للعالم أن للنصر شرطين لا ثالث لهما: الأول: وجود قضية عادلة يؤمن بها، والثاني: التضحية من أجل القضية، وبذلك يُهزم العدو وإن امتلك الجيوش الجرارة والأسلحة الحديثة والذكية.
رغم امتلاك النظام السعودي لترسانة عسكرية هي الأكبر والأحدث في المنطقة، يقول الرئيس ترامب، أقرب حلفاء هذا النظام، إن السعودية غير قادرة على الدفاع عن نفسها عسكرياً، ليس هذا فحسب، بل ووصف قوات التحالف بقيادة السعودية بأنها لا تعرف كيفية استخدام السلاح الأمريكي في حربها على اليمن، رغم تدريب الجيش السعودي على كيفية استخدام الأسلحة الأمريكية.
 هذا النقد المهين للنظام السعودي، أكبر مستورد السلاح الأمريكي، يلخص مرارة الهزيمة والإهانة لفخر الصناعات العسكرية الأمريكية، فقد حول الجيش واللجان الشعبية جبهات القتال إلى متحف عسكري مفتوح يضم بقايا حطام السلاح الأمريكي الذكي، لاسيما في الساحل الغربي وفي عمق الأراضي السعودية، حيث يروي منظر بقايا عشرات الدبابات الأبرامز والمدرعات البرادلي الأحدث تكنولوجياً والأغلى ثمناً، بطولات مقاتل يمني تعامل بكفاءة عالية مع هذه الدبابات والعربات المدرعة، وأصابها في مقتل مستهدفاً نقاط ضعفها، مستخدماً أسلحة بسيطة ضد الدروع، كصواريخ “كورنيت” و”فاغوث” وقذائف “آر بي جي”.
أمام هذه الإهانة العسكرية لم تستطع الولايات المتحدة أكثر من تحميل الجيش السعودي مسؤولية الإساءة لسمعة السلاح الأمريكي، وتعليق مسؤوليها بأن سبب عجز الآليات أمام المقاتلين اليمنيين وعدم فاعليتها في أرض المعركة يعود لعدم امتلاك الجيش السعودي للخبرة.
لم يكتف النظام السعودي وجيشه بإهانة السلاح الأمريكي، بل أضاف فضيحة أخرى أكدتها وزارة الدفاع الأمريكية، حيث انتهك التحالف بقيادة السعودية شروط بيع السلاح، من خلال قيامه بتسليم جزء من السلاح الأمريكي لطرف ثالث هو تنظيم القاعدة والمليشيات السلفية المتطرفة، مثل ألوية العمالقة وجماعة أبوالعباس المدرجة ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية، الأمر الذي يُثبت فوضوية التحالف ويؤكد رعاية النظام السعودي للجماعات الإرهابية التي يحتضنها ويغذيها فكره الوهابي المتطرف.
يضاف لقائمة الفشل العسكري الأمريكي والغربي تمكن دفاعات الجيش واللجان الشعبية من إسقاط 13 طائرة حربية حديثة لتحالف العدوان على اليمن منها (F16)، أباتشي، ميراج، تورنيدو، بالإضافة لمختلف أنواع الطائرات المسيرة كطائرة (MQ) الأمريكية التجسسية الأحدث تكنولوجياً، ويُعد ذلك إنجازاً عسكرياً نوعياً لم يكن مطلقاً في حسبان تحالف العدوان.
لأول مرة يُقر تقرير فريق الخبراء المعني باليمن التابع لمجلس الأمن الدولي، الصادر في يناير2020، بتطور التصنيع الحربي اليمني واعتماده على قدرات ذاتية في تطوير سلاح الصواريخ والطيران المسير بمواد محلية، لذا ليس بمستغرب دخول اليمن موسوعة التاريخ العسكري من حيث استخدامه للطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، الذي يُعد الأكثر في التاريخ الحديث، وهذا ما أكده تقرير المركز الاستراتيجي للدراسات الدولية في واشنطن والصادر في يونيو 2020 بعنوان “حرب الصواريخ في اليمن”، حيث أشار التقرير إلى أن الاستخدام المكثف للصواريخ الباليستية، بما فيها صواريخ كروز، والطيران المسير يُعد أحد الجوانب الرئيسة في العمليات العسكرية، فقد أطلق الجيش واللجان الشعبية مئات الصواريخ والطائرات المسيرة ضد أهداف عسكرية وحيوية في السعودية والإمارات، وأظهرت فشل منظومة دفاعات الباتريوت الأمريكية في عملية الاعتراض، وذلك مكن الجيش واللجان الشعبية من تنفيذ أربع عمليات ردع رئيسية في العمق السعودي، كان أبرزها الاستهداف الدقيق للمُنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو في بقيق وخريص على بُعد أكثر من 1400 كم من صنعاء.
كما أصبح الجيش واللجان الشعبية يمتلك ترسانة من السلاح الحديث، لاسيما الخفيف والمتوسط منه، تم اغتنامه في المعارك خلال ما يقارب خمس سنوات، فقد أكدت محطة (سي إن إن) الأمريكية أن المدرعات الأمريكية التي ظهرت للإعلام وكان يقودها عضو المجلس السياسي الأعلى الأستاذ محمد علي الحوثي في صنعاء والحديدة مثل مدرعة (MRAP) المضادة للألغام والكمائن هي مدرعات تم بيعها للنظامين السعودي والإماراتي.
لا شك في أن إدارة ترامب نجحت في إبرام صفقات بيع سلاح بمئات المليارات، خصوصاً لكل من النظامين السعودي والإماراتي، وهذا ما لم تحققه أي إدارة سابقة، كما تكفلت بدعم تحالف العدوان على اليمن لوجستياً عبر تزويد المقاتلات بالوقود في الجو، وعملياتياً من خلال قيادة غرف العمليات العسكرية، واستخباراتيا بتزويد التحالف بخارطة الأهداف، وسياسياً بتقديم المواقف الداعمة للنظامين السعودي والإماراتي في المحافل الدولية لدرجة فاضحة مكنت النظام السعودي من عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ورفع اسمه من القائمة الأممية السوداء الخاصة بقتل الأطفال، رغم سجله الحافل بأسوأ انتهاكات حقوق الإنسان بحق مواطنيه، وارتكابه أبشع الجرائم الإنسانية بحق أبناء الشعب اليمني العزيز.
بالمقابل، لا شك في أن العدوان على اليمن أضر بسمعة السلاح الأمريكي، فقد جعل الجيش السعودي وتحالفه من الإبرامز والبرادلي سلاحاً برياً فاشلاً. كما حول المقاتلات الأمريكية إلى مجرد سلاح للجريمة الإنسانية في اليمن بحق عشرات الآلاف من الأبرياء الذين طالتهم غارات التحالف وهم في المدارس والمستشفيات والأسواق وصالات الأعراس والعزاء والباصات وغيرها، وكان لها أثر في زيادة حدة كراهية شعوب المنطقة والعالم لسياسات الولايات المتحدة، وتحميلها مسؤولية مشاركتها في تلك الجرائم.
ختاماً، وكمواطن يمني، أدعو الجهات المعنية في صنعاء إلى إبراز وتوثيق بربرية العدوان والمأساة الإنسانية التي سببها، وإبراز حجم التضحيات الكبيرة التي قُدمت وتوجت بالانتصارات العظيمة التي هزمت التحالف وجحافله بفضل الله، وذلك من خلال إنشاء متحف شامل يخلد ذكرى العدوان على اليمن، ليظل حاضراً في الأذهان جيلاً بعد جيل، نستلهم منه الدروس والبطولات.
•* نائب رئيس دائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com