العرض في السلايدرمقالات

وعادت «الجوف» من جوف السعودية .. بقلم/ كاتب/احمد ناصر الشريف

21 سبتمبر || مقالات …

في الأول من مايو عام 1975م وأثناء الإحتفال بعيد العمال العالمي أعلن الشهيد إبراهيم الحمدي “رحمه الله” في خطابه الجماهيري بأنه تم الإتفاق مع شركة شل الألمانية للتنقيب عن البترول في محافظة الجوف .. ولم تمضي فترة قصيرة حتى أعلنت الشركة عن اكتشاف البترول في هذه المحافظة المحاددة للسعودية بكميات تجارية ولم تكد السعودية تسمع بهذه الاكتشافات حتى جن جنونها فسارعت بالضغظ على الحكومة الألمانية وهددت مصالحها وأجبرتها على سحب الشركة من اليمن وإغلاق الآبار المكتشفة التي ما تزال إلى اليوم مغلقة ومختومة بالشمع الأحمر ولم يجرؤ أي حاكم يمني على فتحها .
وعليه سنعود قليلا الى الوراء وتحديداً الى معاهدة الطائف التي تم التوقيع عليها عام 1934م بين الإمام يحيى حميد الدين ملك اليمن وعبدالعزيز آل سعود ملك السعودية ومؤسسها والتي لم تفرط في الأراضي اليمنية لأنها ابقت الباب مفتوحا للتفاوض حولها والزمت الجانبين المتعاهدين بتجديدها كل عشرين عاما حتى يتم الوصول الى حل نهائي ولذلك فان النظام السعودي قد عمل المستحيل للالتفاف عليها من اجل ضمان تبعية الأراضي لمملكته وكانت اولى المحاولات مع الامام احمد بن يحيى حميدالدين الذي حكم اليمن بعد مقتل والده الإمام يحيى -رحمه الله- عام 1948م أثناء زيارة الملك سعود بن عبدالعزيز لصنعاء عام 1953م وهو التاريخ الذي يصادف مرور العشرين عاما الأولى على توقيع معاهدة الطائف بحسب التقويم القمري .. لكن الامام احمد حميدالدين -رحمه الله- لم يوافق إلا على تجديد المعاهدة لعشرين عاماً اخرى ومن ثم يتم التفاوض حولها من جديد وصولاً الى حل يضمن حقوق الطرفين. وعندما قامت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م في اليمن وكان الخلاف يومها على أشده بين الرئيس جمال عبدالناصر والملك سعود بن عبدالعزيز تحولت اليمن الى ساحة لتصفية الحسابات بينهما وتم التسبب في تقسيم الشعب اليمني الى جمهوري وملكي حيث تولت مصر عبدالناصر وحلفاؤها دعم الجانب الجمهوري وتولت السعودية وإيران الشاه وحلفاؤهما دعم الجانب الملكي لتستمر الحرب ثماني سنوات حتى توقفت بفعل المصالحة الوطنية التي تمت في يوليو عام 1970م بعد إفراغ الثورة اليمنية من مضمونها.. ولأن الجانب الجمهوري قد رفع شعار تحرير الأراضي اليمنية عقب قيام الثورة وإعلان الجمهورية فقد كان رد فعل الملك سعود حينها ومن بعده الملك فيصل ان ضغطا على الامام محمد البدر -رحمه الله- وطلبا منه ان يعترف بتبعية الأراضي اليمنية المحتلة إلى الأراضي السعودية ولكنه رفض.. وحين تمت محاصرة صنعاء واعتقد الملك فيصل بن عبدالعزيز حسب المعلومات الاستخباراتية التي وصلته بأن النظام الجمهوري آيل للسقوط لا محالة خاصة بعد انسحاب القوات العربية المصرية التي كانت تدافع عنه استدعى الإمام البدر إليه وطلب منه من جديد الاعتراف بتبعية جيزان وعسير ونجران للسعودية وقدم اليه مشروع اتفاق للتوقيع عليه ولكن الإمام البدر بما يحمله من حس وطني قال للملك فيصل بصريح العبارة: «تقطع يدي لو وقعت لك حرفاً واحداً يا فيصل لقد جعلتني حارس حدود.. وهنا أخذ الملك فيصل منه موقفاً وأوعز لابن عم البدر الأمير محمد بن الحسين أن يقوم عليه بانقلاب ويحل محله، فدعا الأمير محمد بن الحسين الى مؤتمر عقد في مدينة صعدة تم فيه تشكيل مجلس إمامة برئاسته وبدعم سعودي ثم تصدر الواجهة لقيادة الحرب ضد الثورة والجمهورية وإبعاد الإمام البدر.. وعندما تيقن الملك فيصل بأن صنعاء على وشك السقوط ولن يجد فرصة أفضل منها لاعتراف أسرة بيت حميد الدين بتبعية الأراضي اليمنية لمملكته سارع بتشكيل وفد سعودي مهم برئاسة مستشاره الخاص السوري الأصل رشاد فرعون وبعثه الى ضواحي صنعاء لمقابلة الأمير محمد بن الحسين رئيس مجلس الإمامة ليطلب منه التوقيع على مشروع الاتفاق الذي رفض الإمام البدر التوقيع عليه.. ولكن الأمير محمد بن الحسين لم تكن تقل وطنيته عن ابن عمه محمد البدر، فقد ماطل الوفد السعودي واستشار العديد من القادة اليمنيين بما فيهم قادة جمهوريون ورغم أن البعض نصحه بالموافقة ضماناً لاستعادة عرش بيت حميد الدين ولكنه رد عليهم قائلاً: «يحكم اليمن يهودي يمني ولا تحكمها أسرة آل سعود».. وذهب بنفسه صحبة الوفد السعودي الى الرياض لمقابلة الملك فيصل للاحتجاج عليه على هذه التصرفات وهو ما جعل الملك فيصل يوقف الدعم نهائياً وخاصة الذهب للجانب الملكي، فانسحب العديد من المشايخ من جبهات القتال وانضم الفريق قاسم منصر إلى الصف الجمهوري وتم فتح خط مباشر مع الجمهوريين بعد فك الحصار عن صنعاء.. لكن السعودية اشترطت أن يتم تصفية الضباط الشباب الذين مازالوا يرفعون شعارات تقدمية ويرفضون المصالحة الوطنية.. وهنا قام الفريق حسن العمري القائد العام -رحمه الله- باختلاق مشكلة مع رئيس هيئة الأركان العامة الشاب النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب “رحمه الله” واندلعت ما عرف بأحداث 24 أغسطس عام 1968م التي تم فيها تصفية الضباط الشبان الوطنيين ليصبح الطريق ممهداً أمام النظام السعودي ليرعى المصالحة الوطنية ويستبعد منها أسرة بيت حميد الدين انتقاماً منهم على عدم موافقتهم الاعتراف بتبعية الأراضي اليمنية المحتلة للسعودية وهو ما جعل الإمام البدر يغضب ويغادر الرياض للإقامة في لندن حتى توفاه الله وكذلك غادر الأمير محمد بن الحسين الرياض الى العاصمة الاردنية عمّان ليقيم فيها حتى توفاه الله.
ومن بعد المصالحة الوطنية التي تحققت في يوليو عام 1970م حلت السعودية محل الاشقاء في مصر وألغت مضمون النظام الجمهوري الذي أصبح شعاراً للتغني به إعلامياً وحققت التجديد الثاني للمعاهدة عام 1973م بواسطة رئيس الحكومة حينها القاضي عبدالله الحجري وحين حاول الشهيد ابراهيم الحمدي “رحمه الله “إعادة الاعتبار للثورة والجمهورية تم اغتياله واغتيال مشروعه الوطني ليأتي بعده نظام تم تكييفه بحسب ما تريده الشقيقة الكبرى، فحققت من خلاله كل أهدافها في اليمن واستولت على الأراضي اليمنية في جيزان وعسير ونجران رسميا.. لكن لأن الله أراد لليمنيين أن يتحرروا من الهيمنة والوصاية السعودية فقد قامت ثورة 21سبتمبر عام 2014م التي تبنت هذه المطالب فاستخدمت أمريكا والسعودية كل قوتهما ونفوذهما لتغيير المعادلة وحين اصطدمتا بإرادة الشعب اليمني التواقة للحرية ووضع حدٍ نهائي للوصاية الخارجية شنتا عليه عدواناً همجياً لم يسبق له في التاريخ مثيلاً حيث لا يوجد له مبرر ولا مصوغ قانوني سوى محاولة إخضاع الشعب اليمني لإرادتهما من جديد، وهذا لن يحدث بإذن الله.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com